قد قيل تبت وعلي غمضا * " فلم سجدت الشكر لما قبضا " (1) - ولم ركبت البغل في يوم الحسن * تؤججين نار هاتيك الفتن (698) -
(١) إشارة إلى ما كان من أم المؤمنين، حين بلغها نعي علي عليه السلام من أنها سجدت لله شكرا ثم رفعت رأسها قائلة:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر - ثم سألت: من قتله؟. فقيل لها: رجل من مراد. فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب - فأنكرت عليها زينب بنت أم سلمة قائلة لها، ألعلي تقولين هذا يا عائش؟!. فأجابت عائش: أني نسيت، فإذا نسيت فذكروني!! (منه قدس).
(٦٩٨) كان الإمام أبو محمد الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، أنذر الهاشميين قبل وفاته بفتنة يخشاها من بني أمية إذا أراد الهاشميون دفنه عند جده رسول الله (ص)، وعهد إلى أخيه سيد الشهداء أن يتدارك الشر إذا هبت عواصفه، بدفنه في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد، وأقسم عليه أن لا يريق في سبيله ملء محجمة من دم.
فلما قضى (بأبي وأمي) نحبه، أراد الهاشميون أن يجددوا به العهد بجده رسول الله، أو أنهم أرادوا أن يدفنوه عنده إذا أمنوا الفتنة، فقامت قيامة بني أمية، وأعدوا للحرب عدتها متجهزين بجهازها، وعلى رأسهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وكان مروان ينادي يا رب هيجاء هي خير من دعة، أيدفن أمير المؤمنين (عثمان) في أقصى المدينة، ويدفن الحسن مع رسول الله. وجاؤا بعائشة وهي على بغل، تذودهم عن بيتها قائلة: لا تدخلوه بيتي.
ففي ترجمة الحسن من كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني المرواني عن علي بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه، أي الحسن، ركبت عائشة بغلا واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل: يوما على بغل، ويوما على جمل.
وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء، ليومها الثاني من أهل البيت قال:
فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر فقال: يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال: يوم البغلة الشهباء. أه. وفي ذلك يقول القائل:
تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت * لك التسع من الثمن وفي الكل تصرفت - ولنا هنا أن نبحث عن الوجه في كون بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيتها تدخل فيه من تحب، وتذود عنه من لا تحب؟ شأن المالك يتصرف في ملكه المطلق كيف يشاء، فهل يا ترى ملكها رسول الله صلى الله عليه وآله بيته ببيع أو هبة أو نحوهما؟ كلا. وما أظن أن أحدا قال ذلك أو توهمه. نعم أسكنها في حجرة من حجرات داره، كما أسكن غيرها من نسائه في حجرات أخر، وكما يسكن كل رجل زوجته في بيته قياما بواجب المرأة على زوجها فإن إسكانها من نفقاتها الواجبة لها عليه إجماعا وقولا واحدا. والمرأة إنما تسكن في بيت زوجها. فيدها على مسكنها ليست من أمارات الملك في شئ، لأن المتصرف في مسكنها في الحقيقة، إنما هو الرجل، حيث أنه هو الذي أسكنها فيه وحيث أنه كان يساكنها في نفس البيت، ولو في يومها وليلتها في أقل الفروض.
على أنه لو سلمنا أن يد عائشة على حجرتها، أمارة تملكها، فلم لم تكن يد الزهراء على فدك أمارة على تملكها؟! وشتان بين هاتين اليدين، فإن يد البنت على شئ من أملاك أبيها تتصرف فيه على عهده بمنظر منه ومسمع، لمن أمارات الملك بلا كلام، ولا سيما إذا كانت نازحة على بيت أبيها إلى بيت زوجها. بخلاف يد الزوجة على حجرة من حجرات دار زوجها، ونحن نحكم العرف البشري في هذه الفرق بين هاتين اليدين.
ولعل الخليفة يومئذ وهو أبوها، ملكها بيت رسول الله بعد وفاته صلى الله عليه وآله بولايته العامة، وهذا ليس بالبعيد، لكنا كنا نأمل منه، أن يعامل بنت رسول الله فيما كان في يدها، معاملة بنته، ولو فعل لكان ذلك أقرب إلى اجتماع الكلمة، ولم شعث الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (منه قدس).
هذه الأبيات.