أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا، المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد، وهشيمها البائد غدا (1) واحذروا ما حذركم الله منها، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدها دارا وقرارا، بالله إن لكم مما فيهما عليها دليلا (2) من زينتها، وتصريف أيامها، وتغيير انقلابها ومثلاتها، وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل (3) وتضع الشريف، وتورد النار أقواما غدا، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه (4).
وإن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن (5) وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان لتدبير القلوب عن نيتها (6) وتذهلها عن موجود الهدى (7) ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله عز وجل فليس يعرف تصرف أيامها، وتقلب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصمه الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك طريق القصد. ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالعبر وازدجر، فزهد في عاجل بهجة الدنيا،