فيما تركت (1) " فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته.
واعلموا عباد الله! أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد، وامتنع من الرقاد (2) وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا، فكيف - ويحك - يا ابن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة؟ وأخذه الأليم وبياته لأهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا (3) بالليل والنهار، فذلك البيات الذي ليس منه منجى، ولا دونه ملتجأ، ولا منه مهرب. فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى، فإن الله يقول: " ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (4) ". فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها، وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإن زينتها فتنة وحبها خطيئة.
واعلم - ويحك - يا ابن آدم أن قسوة البطنة، وفترة الميلة، وسكر الشبع، وغرة الملك (5) مما يثبط ويبطئ عن العمل وينسي الذكر، ويلهي عن اقتراب الأجل، حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب (6) وأن العاقل عن الله، الخائف منه، العامل له ليمرن نفسه ويعودها الجوع، حتى ما تشتاق إلى الشبع، وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان (7).