بكتاب كتبه إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه كتب إلي:
أما بعد (1) فان المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا، وما فاتك منه فلا تأس عليه جزعا، وليكن همك فيما بعد الموت. والسلام.
62 - وقال عليه السلام لجماعة: خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما صبتم مثلها (2): لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، واعلموا أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس له، فاصبروا على ما كلفتموه رجاء ما وعدتموه.
63 - وقال عليه السلام: الشئ شيئان شئ قصر عني لم ارزقه فيما مضى ولا أرجوه فيما بقي، وشئ لا أناله دون وقته ولو استعنت عليه بقوة أهل السماوات والأرض، فما أعجب أمر هذا الانسان يسره درك ما لم يكن ليدركه، ولو أنه فكر لأبصر ولعلم أنه مدبر، واقتصر على ما تيسر، ولم يتعرض لما تعسر، واستراح قلبه مما استوعر، فبأي هذين أفنى عمري، فكونوا أقل ما يكونون في الباطن أموالا، أحسن ما يكونون في الظاهر أحوالا، فان الله تعالى أدب عباده المؤمنين العارفين أدبا حسنا فقال: جل من قائل: " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا " (3).
64 - وقال عليه السلام: لا يكون غنيا حتى يكون عفيفا، ولا يكون زاهدا حتى يكون متواضعا، ولا يكون حليما حتى يكون وقورا، ولا يسلم لك قلبك حتى تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك، وكفى بالمرء جهلا أن يرتكب ما نهي عنه، وكفى به عقلا