قال: [و] كان عمرو بن الحمق الخزاعي شيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام، فلما صار الأمر إلى معاوية انحاز إلى شهر زور من الموصل.
وكتب إليه معاوية: أما بعد فإن الله أطفأ النائرة وأخمد الفتنة وجعل العاقبة للمتقين، ولست بأبعد أصحابك همة ولا أشدهم في سوء الأثر صنعا، كلهم قد أسهل بطاعتي وسارع إلى الدخول في أمري، وقد بطأ بك ما بطأ فادخل فيما دخل فيه [الناس] يمح عنك سالف ذنوبك ونحي داثر حسناتك، ولعلي لا أكون لك دون من كان قبلي إن أبقيت واتقيت ووفيت وأحسنت، فاقدم علي آمنا في ذمة الله وذمة رسوله، محفوظا من حسد القلوب وإحن الصدور وكفى بالله شهيدا.
فلم يقدم عليه عمرو بن الحمق، فبعث إليه من قتله وجاء برأسه [إليه] فبعث به [معاوية] إلى امرأته [وهي في سجنه] فوضع في حجرها فقالت: سترتموه عني طويلا وأهديتموه إلي قتيلا! فأهلا وسهلا من هدية غير قالية ولا بمقلية، بلغ أيها الرسول عني معاوية ما أقول: طلب الله بدمه، وعجل له الويل من نقمه، فقد أتى أمرا فريا وقتل برا تقيا، فأبلغ أيها الرسول معاوية ما قلت.
فبلغ الرسول [معاوية] ما قالت، فبعث إليها فقال لها: أنت القائلة ما قلت؟ قالت: نعم غير ناكلة عنه ولا معتذرة منه. قال لها: اخرجي من بلادي.
قالت: أفعل فوالله ما هو لي بوطن ولا أحن فيها إلى سجن، ولقد طال بها سهري واشتهر بها عبري وكثر فيها ديني من غير ما قرت به عيني.
فقال عبد الله بن أبي سرح الكاتب (1): يا أمير المؤمنين! إنها منافقة فألحقها بزوجها. فنظرت إليه فقالت: يا من بين لحييه كجثمان الضفدع! إلا قتلت من أنعمك خلعا وأصفاك بكساء، إنما المارق المنافق من قال بغير الصواب، واتخذ العباد كالأرباب، فأنزل كفره في الكتاب.