وأما قوله: " قد كانت أمور " فمراده أمر عثمان وتقديمه في الخلافة عليه.
ومن الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا ويبعد عندي [أن يكون أراده] لان المدة قد كانت طالت ولم يبق من يعاتبه (1) ولسنا نمنع من أن يكون في كلامه الكثير من التوجد والتألم لصرف الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله عنه، وإنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة على أن قوله: " سبق الرجلان " والاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما.
وأما قوله: " حق وباطل " إلى آخر الفصل فمعناه كل أمر إما حق وإما باطل ولكل واحد من هذين أهل وما زال أهل الباطل أكثر من أهل الحق ولئن كان الحق قليلا فربما كثر ولعله ينتصر أهله ثم قال على سبيل التضجر بنفسه " وقل ما أدبر شئ فأقبل " استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زواها عنهم.
ثم قال: " ولئن رجعت إليكم أموركم " أي إن ساعدني الوقت وتمكنت من أن أحكم فيكم بحكم الله تعالى ورسوله وعادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسيرة مماثلة لسيرته في أصحابه إنكم لسعداء ثم قال:
" وإني لأخشى أن تكونوا في فترة " الفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذ:
انقطعت الرسل فيها فيقول عليه السلام: إني لأخشى أن لا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم فتكونوا كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرايع والاحكام وكأنه عليه السلام قد كان يعلم أن الامر سيضطرب عليه (2).