ادخل في القوم وأتني بأخبارهم، ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي، فإن الله قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح على قريش وهزمهم، قال حذيفة: فمضيت وأنا أنتقض من البرد، فوالله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كني في حمام، فقصدت خباء عظيما فإذا نار تخبو وتوقد، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلا خصيتيه على النار، وهو ينتفض (1) من شدة البرد، ويقول: يا معشر قريش إن كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثم قال: لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا، قال حذيفة: فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني من أنت؟ قال: أنا عمرو بن العاص، ثم قلت للذي عن يساري: من أنت؟ قال: أنا معاوية، وإنما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد من أنت، ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي لقدرت أن أقتله، ثم قال أبو سفيان لخالد بن الوليد: يا با سليمان لا بد من أن أقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس، ثم قال: ارتحلوا إنا مرتحلون، ففروا منهزمين (2)، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه: لا تبرحوا، فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة وبقي رسول الله صلى الله عليه وآله في نفر يسير، وكان ابن عرقة الكناني رمى سعد بن معاذ رحمه الله بسهم في الخندق فقطع أكحله، فنزفه الدم، فقبض سعد على أكحله بيده ثم قال: " اللهم إن كنت أبقيت من حرب (3) قريش شيئا فأبقني (4) لها فلا أحد أحب إلي محاربتهم من قوم
(٢٣١)