ومن عجيب أمره أنه كان أجمع الناس لدواعي الترفع، ثم كان أدناهم إلى التواضع، و ذلك أنه صلى الله عليه وآله كان أوسط الناس نسبا، وأوفرهم حسبا، وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم و أفصحهم، وهذه كلها من دواعي الترفع، ثم كان من تواضعه أنه كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويركب الحمار، ويعلف الناضح (1)، ويجيب دعوة المملوك، ويجلس في الأرض، ويأكل في الأرض (2)، وكان يدعو إلى الله من غير زبر ولا كهر (3) ولا زجر، ولقد أحسن من مدحه في قوله.
فما حملت من ناقة فوق ظهرها * أبر وأوفى ذمة من محمد (4) وفي قوله تعالى: " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله " أي خزائن رحمته، أو مقدوراته، أو أرزاق الخلائق " ولا أعلم الغيب " الذي يختص الله تعالى بعلمه، وإنما أعلم ما علمني " ولا أقول لكم إني ملك " أي لا أقدر على ما يقدر عليه الملك، فأشاهد من أمر الله وغيبه ما تشاهده الملائكة " إن أتبع إلا ما يوحى إلي " يريد ما أخبركم إلا بما أنزل الله إلي (5).
أقول: الحاصل أني لا أقدر أن آتيكم بمعجزة وآية إلا بما أقدرني الله عليه، و أذن لي فيه، ولا أعلم شيئا إلا بتعليمه تعالى، ولا أعلم شيئا من قبل نفسي إلا بإلهام أو وحي منه تعالى، ولا أقول: إني مبرأ من الصفات البشرية من الأكل والشرب وغير ذلك.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: " خذ العفو " أي ما عفا من أموال الناس، أي ما فضل من النفقة، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شئ موقت، ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها، وقيل: معناه خذ العفو من أخلاق الناس،