فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والاكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته ولا عثراته (1)، ولا يتكلم إلا فيما رجا (2) ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم انصتوا له حتى يفرغ (3)، حديثهم عنده حديث أوليهم (4)، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه (5)، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز (6) فيقطعه بنهي (7) أو قيام.
قال: فسألته عن سكوت رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير (8)، فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع (9): أخذه الحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح (10) أمته، والقيام فيما جمع (11) لهم خير الدنيا و الآخرة (12).