معناه قولان: أحدهما أنه تقرير لنعمة الله عليه حين مات أبوه وبقي يتيما فآواه الله بأن سخر له عبد المطلب ثم أبا طالب (1)، وكان صلى الله عليه وآله مات أبوه وهو في بطن أمه أو بعد ولادته بمدة قليلة، وماتت أمه وهو ابن سنتين، ومات جده وهو ابن ثماني سنين.
وسئل الصادق عليه السلام لم اوتم النبي صلى الله عليه وآله عن أبويه؟ فقال: لئلا يكون لمخلوق عليه حق.
والآخر أن يكون المعنى ألم يجدك واحدا لا مثل لك في شرفك وفضلك فآواك إلى نفسه، واختصك برسالته، من قولهم: درة يتيمة: إذا لم يكن لها مثل، وقيل: فآواك، أي جعلك مأوى للأيتام بعد أن كنت يتيما، وكفيلا للأنام بعد أن كنت مكفولا.
" ووجدك ضالا فهدى " فيه أقوال: أحدها وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من النبوة والشريعة، أي كنت غافلا عنهما فهداك إليهما، ونظيره " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان " وقوله: " وإن كنت من قبله لمن الغافلين " فمعنى الضلال على هذا هو الذهاب عن العلم، مثل قوله تعالى: " أن تضل إحداهما ".
وثانيها: أن المعني وجدك متحيرا لا تعرف وجوه معاشك فهداك إليها، فإن الرجل إذا لم يهتد إلى طريق مكسبه يقال: إنه ضال (2).
وثالثها: أن المعنى وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه بإتمام العقل، ونصب الأدلة والالطاف حتى عرفت الله بصفاته بين قوم ضلال مشركين.
ورابعها: وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب، فروي أنه ضل في شعاب مكة وهو صغير فرآه أبو جهل ورده إلى جده عبد المطلب، فمن الله سبحانه بذلك عليه إذ رده إلى جده على يدي عدوه عن ابن عباس.
وخامسها: ما روي أن حليمة بنت أبي ذؤيب لما أرضعته مدة وقضت حق الرضاع ثم أرادت رده إلى جده جاءت به حتى قربت من مكة فضل في الطريق، فطلبته جزعة