وكانت تقول: لئن لم أره لأرمين نفسي عن شاهق، وجعلت تصيح: وا محمداه، قالت:
فدخلت مكة على تلك الحال، فرأيت شيخا متوكئا على عصا، فسألني عن حالي فأخبرته فقال: لا تبكي فأنا أدلك على من يرده عليك، فأشار إلى هبل صنمهم الأعظم، ودخل البيت وطاف بهبل وقبل رأسه وقال: يا سيداه لم تزل منتك جسيمة، رد محمدا على هذه السعدية، قال (1): فتساقطت الأصنام لما تفوه باسم محمد صلى الله عليه وآله، وسمع صوت: إن هلاكنا على يدي محمد، فخرج وأسنانه تصطك، وخرجت إلى عبد المطلب وأخبرته بالحال، فخرج وطاف بالبيت، ودعا الله سبحانه فنودي واشعر بمكانه، فأقبل عبد المطلب فتلقاه ورقة بن نوفل في الطريق، فبيناهما يسيران إذا النبي صلى الله عليه وآله قائم تحت شجرة يجذب الأغصان، ويعبث (2) بالورق، فقال عبد المطلب: فداك نفسي، وحمله ورده إلى مكة (3).
وسادسها: ما روي أنه صلى الله عليه وآله خرج مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة (4) غلام خديجة، فبينا هو راكب ذات ليلة ظلماء إذ جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته فعدل به عن الطريق، فجاء جبرئيل عليه السلام فنفخ إبليس (5) نفخة وقع منها إلى الحبشة، ورده إلى القافلة، فمن الله عليه بذلك.
وسابعها: أن المعنى وجدك مضلولا عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك وأرشدهم إلى فضلك، والاعتراف بصدقك، والمراد أنك كنت خاملا لا تذكر ولا تعرف فعرفك الله إلى الناس حتى عرفوك وعظموك.
" ووجدك عائلا " أي فقيرا لا مال لك " فأغنى " أي فأغناك بمال خديجة، ثم بالغنائم، وقيل: فأغناك بالقناعة، ورضاك بما أعطاك وروى العياشي بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في قوله: " ألم يجدك يتيما فآوى " قال عليه السلام: فردا لا مثل لك في المخلوقين فآوى الناس إليك.