فلما كان بعد أربعين يوما نودي: يا داود مالك؟ أجائع أنت فنشبعك، أم ظمآن فنسقيك، أم عريان فنكسوك، أم خائف فنؤمنك؟ فقال: أي رب وكيف لا أخاف وقد عملت ما علمت (1) وأنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم؟ فأوحى الله عز وجل إليه:
تب يا داود، فقال: أي رب وأنى لي بالتوبة؟ قال صر إلى قبر أوريا حتى أبعثه إليك (2) واسأله أن يغفر لك فإن غفر لك غفرت لك، قال: يا رب فإن لم يفعل؟ قال: أستوهبك منه، فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا يجاوبه حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع علم أنه داود، فقال: هذا النبي الخاطئ، فقال داود: يا حزقيل أتأذن لي أن أصعد إليك؟ قال: لا، فإنك مذنب، فبكى داود عليه السلام فأوحى الله عز وجل إلى حزقيل: يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته، وسلني العافية، فنزل حزقيل وأخذ بيد داود وأصعده إليه، فقال له داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عز وجل؟ قال: لا، قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى ربما عرص ذلك بقلبي، قال فما تصنع؟ قال: أدخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه، قال: فدخل داود عليه السلام الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام نخرة، (3) وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب، فقرأه داود فإذا فيه: أنا أروى بن سلم، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف جارية، وكان آخر أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادي، و الحيات والديدان جيراني، فمن يراني فلا يغتر بالدنيا، ومضى داود حتى أتى قبر أوريا فناداه فلم يجبه، ثم ناداه ثانية فلم يجبه، ثم ناداه ثالثة فقال أوريا: مالك يا نبي الله لقد شغلتني عن سروري وقرة عيني؟ قال يا أوريا اغفر لي وهب لي خطيئتي، فأوحى الله عز وجل: يا داود بين له ما كان منك، فناداه داود فأجابه في الثالثة فقال: يا أوريا فعلت كذا