صحيحا لوجب أن لا تكون السكينة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم بدر ولا في يوم حنين، لأنه لم يك عليه السلام في هذين الموضعين خائفا ولا جزعا، (1) بل كان آمنا مطمئنا متيقنا بكون الفتح له، وأن الله تعالى يظهره على الدين كله ولو كره المشركون، و فيما نطق به القرآن من تنزيل السكينة عليه ما يدمر على هذا الاعتلال.
فإن قلتم: إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان في هذين المقامين خائفا وإن لم يبد خوفه فلذلك نزلت السكينة عليه فيهما وحملتم أنفسكم على هذه الدعوى قلنا لكم: وهذه كانت قصته (صلى الله عليه وآله) في الغار (2) فلم تدفعون ذلك؟ (3) فإن قلتم: إنه (صلى الله عليه وآله) قد كان محتاجا إلى السكينة في كل حال لينتفي عنه الخوف والجزع ولا يتعلقان به في شئ من الأحوال نقضتم ما سلف لكم من الاعتلال، وشهدتم ببطلان مقالكم الذي قدمناه، على أن نص التلاوة يدل على خلاف ما ذكر تموه و ذلك أن الله سبحانه قال: (فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) فأنبأ الله عز وجل خلقه أن الذي نزلت عليه السكينة هو المؤيد بالملائكة، وإذا كانت الهاء (4) التي في التأييد تدل على ما دلت عليه الهاء التي في نزول السكينة وكانت هاء الكناية من مبتدأ قوله: (إلا تنصروه فقد نصره الله) إلى قوله: (وأيده بجنود لم تروها) عن مكني واحد، ولم يجز أن تكون عن اثنين غيرين، كما لا يجوز أن يقول القائل:
لقيت زيدا فأكرمته وكلمته، فيكون الكلام لزيد بهاء الكناية، ويكون الكرامة لعمرو أو خالد أو بكر، وإذا كان المؤيد بالملائكة رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتفاق الأمة فقد ثبت أن الذي نزلت عليه السكينة هو خاصة دون صاحبه وهذا مالا شبهة فيه. (5)