لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم، والآية ينبه متضمنها على ذلك، ألا ترى إلى قوله عز وجل: (وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله) فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم؟ ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستضاءة برأيهم (١) لقال له: فإذا أشاروا عليك فاعمل، وإذا اجتمع رأيهم على أمر فأمضه، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص به، فلما جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته. وأما وجه دعائه لهم إلى المشورة عليه صلوات الله عليه فإن الله عز وجل أمره بتألفهم بمشورتهم وتعلمهم ما يصنعونه عند عزماتهم ليتأدبوا بأدب الله عز وجل فاستشار هم لذلك لا لحاجة إلى رأيهم، على أن ههنا وجها آخر بينا: وهو أن الله سبحانه أعلمه أن في أمته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر، (٢) ويسر خلافه، ويبطن مقته، ويسعى في هدم أمره، وينافقه في دينه، ولم يعرفه أعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم فقال جل جلاله: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن تعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم). (٣) وقال جل اسمه: ﴿وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يرتكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون﴾ (٤) وقال تبارك اسمه: ﴿يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين﴾ (٥) وقال تعالى:
﴿ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون﴾ (٦) وقال عز وجل: ﴿وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون﴾ (٧) وقال جل جلاله: ﴿ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون﴾ (8)