ادخله إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنته فأذن له، فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام والفرائض والاحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال له: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى، فقال: الله أعلم بأي لسان كلمه، بالسريانية أم بالعبرانية فأخذ أبو قرة بلسانه فقال: إنما أسألك عن هذا اللسان، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله عما تقول، ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلمون، (1) ولكنه تبارك وتعالى ليس كمثله شئ، ولا كمثله قائل فاعل، قال: كيف ذلك؟ قال: كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق، ولا يلفظ بشق فم ولا لسان، ولكن يقول له: كن، فكان بمشيته ما خاطب به موسى من الأمر والنهي من غير تردد في نفس. (2) فقال أبو قرة: فما تقول في الكتب؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكل كتاب انزل كان كلام الله تعالى، أنزله للعالمين نورا وهدى وهي كلها محدثة وهي غير الله، حيث يقول: (أو يحدث لهم ذكرا) وقال: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) والله أحدث الكتب كلها التي أنزلها، فقال أبو قرة: فهل يفنى؟ فقال أبو حسن (عليه السلام): أجمع المسلمون على أن ما سوى الله فان وما سوى الله فعل الله، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعل الله تعالى، ألم تسمع الناس يقولون: رب القرآن؟ وإن القرآن يقول يوم القيامة: يا رب هذا فلان - وهو أعرف به - قد أظمأت نهاره، وأسهرت ليله، فشفعني فيه؟ وكذلك التوراة والإنجيل والزبور كلها محدثة مربوبة، أحدثها من ليس كمثله شئ، هدى لقوم يعقلون، فمن زعم أنهن لم يزلن (3) فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم ولا واحد، وأن الكلام لم يزل معه وليس له بدؤ وليس بإله، قال أبو قرة: وإنا روينا أن الكتب كلها تجئ يوم القيامة والناس في صعيد واحد، صفوف قيام لرب العالمين، ينظرون حتى ترجع فيه، لأنها منه وهي جزء منه فإليه تصير، قال أبو الحسن (عليه السلام): فهكذا قالت النصارى
(٣٤٤)