فاحشة، وأن ذلك على الظلمة غير مستنكر، (1) لان ذلك فعلها، ولاله أن يدعو ربا ولا يتضرع إليه، لان النور رب، والرب لا يتضرع إلى نفسه ولا يستعيذ بغيره، ولا لاحد من أهل هذه المقالة أن يقول: أحسنت أو أسأت، لان الإساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها، والاحسان من النور ولا يقول النور لنفسه: أحسنت يا محسن، وليس هناك ثالث فكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا وأتقن تدبيرا وأعز أركانا من النور، لان الأبدان محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟ وكل شئ يرى ظاهرا من الزهر والأشجار والثمار والطير والدوات يجب أن يكون إلها، ثم حبست النور في حبسها والدولة لها.
وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى، وينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لأنه أسير، وليس له سلطان فلا فعل له ولا تدبير، وإن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز، فإن لم يكن كذلك وكان أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان وخير مع فساد وشر فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير وتفعله كما تحسن الشر وتفعله، فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت ولا ظلمة وبطلت دعواهم ورجع الامر إلى أن الله واحد وما سواه باطل، فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه، وأما من قال: النور والظلمة بينهما حكم، فلابد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم، لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم، وهذه مقالة المدقونية، (2) والحكاية عنهم تطول.