فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا؟ فقالوا: لأنا قد وجدنا العالم صنفين: خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضدا للشر، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشئ وضده. (1) بل لكل واحد منهما فاعل، ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين: ظلمة ونورا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة؟ وكل واحد ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد، كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم، قال: فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟! قال:
فسكتوا.
ثم قال: وكيف اختلط هذا النور والظلمة وهذا من طبعه الصعود وهذا من طبعه النزول؟ أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا يمشي إليه أكان يجوز أن يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما؟ قالوا: لا، فقال: وجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما محال أن يمتزج؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان، فقالوا:
سننظر في أمورنا.
ثم أقبل على مشركي العرب وقال: وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله؟ فقالوا:
نتقرب بذلك إلى الله تعالى، فقال: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله؟ فقالوا: لا، قال: فأنتم الذين نحتتموها (2) بأيديكم فلان تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم، قال: فلما قال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اختلفوا فقال بعضهم. إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور فصورنا هده الصور (3) نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا.