بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ٢٥٨
وقالت مشركو العرب: نحن نقول: إن أوثاننا آلهة وقد جئناك لننظر ما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: آمنت بالله وحده لا شريك له، وكفرت بالجبت وبكل معبود سواه، ثم قال لهم: إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا حجة على العالمين، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره، ثم قال لليهود: أجئتموني لاقبل قولكم بغير حجة؟ قالوا: لا، قال: فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله؟ قالوا:
لأنه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاءهم بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ فإن كان عزير ابن الله لما أظهر من الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة، وإن كنتم إنما تريدون (1) بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمهات الأولاد بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه، قالوا: لسنا نعني هذا، فإن هذا كفر كما ذكرت، ولكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة، كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة (2) عن غيره: يا بني، وإنه ابني، لا على إثبات ولادته منه، لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لانسب بينه وبينه، وكذلك لما فعل الله بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهذا ما قلته لكم: إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة لموسى أولى، وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته.

(1) في المصدر: لأنكم إن كنتم إنما تريدون اه‍.
(2) في نسخة: بمنزلته.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»
الفهرست