بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ٢٤٥
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقعد في الحجر ويقرء القرآن، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا: يا أبا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمد؟ شعر أم كهانة أم خطب؟ فقال:
دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أنشدني من شعرك، قال:
ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه الملائكة وأنبياؤه ورسله، فقال: أتل علي منه شيئا، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله حم السجدة، فلما بلغ قوله: " فإن أعرضوا " يا محمد قريش " فقل " لهم " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " قال: فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك فمشوا إلى أبي جهل فقالوا: يا أبا الحكم إن أبا عبد شمس صبأ إلى دين محمد (1) أما تراه لم يرجع إلينا؟ فعدا أبو جهل إلى الوليد فقال له: يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا، و أشمت بنا عدونا، وصبوت إلى دين محمد، قال: ما صبوت إلى دينه، ولكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود! فقال له أبو جهل: أخطب هي (هو خ ل)؟ قال: لا، إن الخطب كلام متصل، وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا، قال: فشعر هو؟ قال:
لا، أما إني قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومد يدها ورملها ورجزها وما هو بشعر، قالوا: فما هو؟ قال: دعني أفكر فيه، فلما كان من الغد قالوا له: يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟ قال: قولوا: هو سحر فإنه أخذ بقلوب الناس، فأنزل الله على رسوله في ذلك: " ذرني ومن خلقت وحيدا " وإنما سمي وحيدا لأنه قال لقريش: أنا أتوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعتكم سنة، وكان له مال كثير وحدائق، و كان له عشر بنين بمكة، وكان له عشر عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها، وتلك القنطار في ذلك الزمان، ويقال: إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا، فأنزل الله: " ذرني ومن خلقت وحيدا " إلى قوله: " صعودا " قال: جبل يسمى صعودا (الصعود خ ل) " إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر " يعني قدره، كيف سواه وعدله " ثم نظر ثم عبس وبسر " قال: عبس وجهه وبسر، قال لوى شدقه (2) " ثم أدبر واستكبر فقال إن

(1) أي خرج من ديننا إلى دين محمد صلى الله عليه وآله.
(2) الشدق بالكسر والفتح: زاوية الفم من باطن الخدين، يقال: لوى شدقه لمن توسع في الكلام من غير احتياط واحتراز ولمن استهزأ بالناس.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست