لأهل مكة، أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا لهم محيصا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم " لمن كان له قلب " أي قلب واع يتفكر في حقائقه " أو ألقى السمع " وأصغى لاستماعه " وهو شهيد " حاضر بذهنه ليفهم معانيه، أو شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره " وما أنت عليهم بجبار " أي بمسلط تقهرهم على الايمان أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع. (1) " أتواصوا به " أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى قالوه جميعا " بل هم قوم طاغون " إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه " فتول عنهم " فأعرض عن مجادلتهم " فما أنت بملوم " على الاعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ. (2) " فما أنت بنعمة ربك " بحمد الله وإنعامه " بكاهن ولا مجنون " كما يقولون " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " ما يقلق النفوس من حوادث الدهر، وقيل:
المنون: الموت " قل تربصوا فإني معكم من المتربصين " أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي " أم تأمرهم أحلامهم " عقولهم " بهذا التناقض في القول فإن الكاهن يكون ذا فتنة ودقة نظر، والمجنون مغطى عقله، والشاعر يكون ذا كلام موزون متسق مخيل، ولا يتأتى ذلك من المجنون " أم هم قوم طاغون " مجاوزون الحد في العناد " أم يقولون تقوله " اختلقه من تلقاء نفسه " بل لا يؤمنون " فيرمون بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم " أم خلقوا من غير شئ " أم أحدثوا وقدروا من غير محدث ومقدر فلذلك لا يعبدونه؟ أو من أجل لا شئ من عبادة ومجازاة " أم هم الخالقون " يؤيد الأول فإن معناه: أم خلقوا أنفسهم؟ ولذلك عقبه بقوله: " أم خلقوا السماوات والأرض " وأم في هذه الآيات منقطعة، ومعنى الهمزة فيها الانكار " بل لا يوقنون " أي إذا سئلوا: من خلقكم ومن خلق السماوات والأرض؟ قالوا: الله، إذ لو أيقنوا ذلك لما أعرضوا عن عبادته " أم عندهم خزائن ربك " خزائن رزقه حتى يرزقوا النبوة من شاؤوا، أو خزائن علمه