لأنه صرف الخطاب عنهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله مخبرا عنهم " ومضى مثل الأولين " وسلف في القرآن قصتهم العجيبة، وفيه وعد للرسول صلى الله عليه وآله، ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين " وجعلوا له من عباده جزء " أي ولدا فقالوا: الملائكة بنات الله، ولعله سماه جزء كما سمي بعضا لأنه بضعة من الوالد، دلالة على استحالته على الواحد الحق في ذاته " وهو كظيم " مملوء قلبه من الكرب " أو من ينشؤ في الحلية " أي أو جعلوا له، أو اتخذ من يتربى في الزينة يعني البنات " وهو في الخصام " في المجادلة " غير مبين " مقرر لما يدعيه من نقصان العقل وضعف الرأي " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله أنقصهم رأيا وأخسهم صنفا " أشهدوا خلقهم " أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثا؟ فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة. (1) " كتابا من قبله " أي من قبل القرآن " قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم " أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم، وهو حكاية أمر ماض أوحي إلى النذير، أو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله، ويؤيد الأول أنه قرأ ابن عامر وحفص قال: وقوله: " قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ": أي وإن كان أهدى إقناطا للنذير من أن ينظروا ويتفكروا فيه " بل متعت هؤلاء " المعاصرين للرسول من قريش " وآباءهم " بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بذلك وانهمكوا في الشهوات. (2) وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " يعنون بالقريتين مكة والطائف، وبالرجل منهما الوليد بن المغيرة من مكة وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف، وقيل: عتبة بن ربيعة من مكة وابن عبد ياليل من الطائف، وقيل: الوليد بن المغيرة من مكة وحبيب بن عمرو الثقفي من الطائف، عن ابن عباس، وإنما قالوا: ذلك لان الرجلين كانا عظيمين في قومهما وذوي الأموال الجسيمة فيهما، فدخلت الشبهة عليهم حتى اعتقدوا أن من كان كذلك كان أولى بالنبوة، فقال سبحانه ردا عليهم: " أهم يقسمون رحمة ربك "
(١٤٩)