أن مدار التكاليف والكمالات والترقيات على العقل، ويحتمل أن يكون المراد بالاستنطاق جعله قابلا لان يدرك به العلوم، ويكون الامر بالاقبال والادبار أمرا تكوينيا، يجعله قابلا لكونه وسيلة لتحصيل الدنيا والآخرة، والسعادة والشقاوة معا وآلة للاستعمال في تعرف حقائق الأمور، والتفكر في دقائق الحيل أيضا.
وفي بعض الأخبار بك آمر، وبك أنهى، وبك أعاقب، وبك أثيب. وهو منطبق على هذا المعنى لان أقل درجاته مناط صحة أصل التكليف، وكل درجة من درجاته مناط صحة بعض التكاليف، وفي بعض الأخبار " إياك " مكان بك في كل المواضع، وفي بعضها في بعضها، فالمراد المبالغة في اشتراط التكليف به فكأنه هو المكلف حقيقة. وما في بعض الأخبار من أنه أول خلق من الروحانيين، فيحتمل أن يكون المراد أول مقدر من الصفات المتعلقة بالروح، أو أول غريزة يطبع عليها النفس وتودع فيها، أو يكون أوليته باعتبار أولية ما يتعلق به من النفوس، وأما إذا احتملت على المعنى الخامس فيحتمل أن يكون أيضا على التمثيل كما مر. وكونها مخلوقة ظاهر، وكونها أول مخلوق إما باعتبار أن النفوس خلقت قبل الأجساد كما ورد في الأخبار المستفيضة، فيحتمل أن يكون خلق الأرواح مقدما على خلق جميع المخلوقات غيرها لكن " خبر أول ما خلق الله العقل " ما وجدته في الأخبار المعتبرة، وإنما هو مأخوذ من أخبار العامة، و ظاهر أكثر أخبارنا أن أول المخلوقات الماء أو الهواء كما سيأتي في كتاب السماء والعالم نعم ورد في أخبارنا: أن العقل أول خلق من الروحانيين، وهو لا ينافي تقدم خلق بعض الأجسام على خلقه، وحينئذ فالمراد بإقبالها بناءا على ما ذهب إليه جماعة من تجرد النفس إقبالها إلى عالم المجردات، وبإدبارها تعلقها بالبدن والماديات، أو المراد بإقبالها إقبالها إلى المقامات العالية، والدرجات الرفيعة، وبإدبارها هبوطها عن تلك المقامات، وتوجهها إلى تحصيل الأمور الدنية الدنيوية، وتشبهها بالبهائم والحيوانات، فعلى ما ذكرنا من التمثيل يكون الغرض بيان أن لها هذه الاستعدادات المختلفة، وهذه الشؤون المتباعدة وان لم نحمل على التمثيل يمكن أن يكون الاستنطاق حقيقيا، وأن يكون كناية عن جعلها مدركة للكليات، وكذا الامر بالاقبال والادبار