والذي (1) ظهر لنا من تتبع الاخبار المنتمية إلى الأئمة الأبرار سلام الله عليهم هو أن الله خلق في كل شخص من أشخاص المكلفين قوة واستعداد إدراك الأمور من المضار والمنافع وغيرها، على اختلاف كثير بينهم فيها، وأقل درجاتها مناط التكليف، وبها يتميز عن المجانين، وباختلاف درجاتها تتفاوت التكاليف، فكلما كانت هذه القوة أكمل كانت التكاليف أشق وأكثر، وتكمل هذه القوة في كل شخص بحسب استعداده بالعلم والعمل، فكلما سعى في تحصيل ما ينفعه من العلوم الحقة وعمل بها تقوي تلك القوة. ثم العلوم تتفاوت في مراتب النقص والكمال، وكلما ازدادت قوة تكثر آثارها وتحث صاحبها بحسب قوتها على العمل بها فأكثر الناس علمهم بالمبدأ والمعاد وسائر أركان الايمان علم تصوري يسمونه تصديقا، وفي بعضهم تصديق ظني، وفي بعضهم تصديق اضطراري، فلذا لا يعملون بما يدعون، فإذا كمل العلم وبلغ درجة اليقين يظهر آثاره على صاحبه كل حين. وسيأتي تمام تحقيق ذلك في كتاب الايمان والكفر إن شاء الله تعالى.
الثالث: القوة التي يستعملها الناس في نظام أمور معاشهم، فإن وافقت قانون الشرع واستعملت فيما استحسنه الشارع تسمى بعقل المعاش، وهو ممدوح في الاخبار ومغايرته لما قد مر بنوع من الاعتبار، وإذا استعملت في الأمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمى بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع، ومنهم من أثبت لذلك قوة أخرى وهو غير معلوم.