فلما وصلوا إلى الحس رجعوا وجلين، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
هل من رجل يمضى مع السقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء اضمن له على الله الجنة؟ فلم يقم أحد، واشتد بالناس العطش، وهم صيام، ثم قال لعلي عليه السلام: سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر ذات العلم، وتستقى، وتعود إن شاء الله، فخرج علي عليه السلام قائلا:
أعوذ بالرحمن ان أميلا * من عزف جن أظهروا تأويلا وأوقدت نيرانها تغويلا * وقرعت مع عزفها الطبولا قال: فداخلنا الرعب، فالتفت علي عليه السلام الينا، وقال: اتبعوا اثرى، ولا يفزعنكم ما ترون، وتسمعون، فليس بضائركم إن شاء الله، ثم مضى فلما دخلنا الشجر، فإذا بنيران تضرم من غير حطب، وأصوات هائلة ورؤوس مقطعة، لها ضجة، وهو يقول: اتبعوني ولا خوف عليكم، ولا يلتفت أحد منكم يمينا، ولا شمالا، فلما جاوزنا الشجرة، وردنا الماء، فأدلى البراء بن عازب دلوه في البئر، فاستقى دلوا أو دلوين، ثم انقطع الدلو فوقع في القليب، والقليب ضيق مظلم، بعيد القعر، فسمعنا في أسفل القليب قهقهة، وضحكا شديدا.
فقال علي عليه السلام: من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو ورشاء؟ فقال أصحابه: من يستطيع ذلك (1)؟ فاتزر بمئزر ونزل في القليب، وما تزداد القهقهة الا علوا، وجعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلت رجله، فسقط فيه، ثم سمعنا وجبة شديدة، واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق (2) ثم نادى علي عليه السلام الله أكبر الله أكبر، انا عبد الله وأخو رسول الله هلموا قربكم، فافعمها (3) واصعدها على عنقه شيئا فشيئا، ومضى بين أيدينا فلم نر شيئا، فسمعنا صوتا.