فأتيت بابه في الليل فقلت: يا قنبر، أي شئ خبر أمير المؤمنين؟ قال:
هو نائم. فسمع كلامي (5)، فقال: من هذا؟ فقال (6): ابن عباس، يا أمير المؤمنين. قال: أدخل. فدخلت فإذا هو قاعد ناحية عن فراشه في ثوب جالس كهيئة المهموم.
فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين الليلة؟ فقال: ويحكم يا بن عباس، وكيف تنام عينا قلب مشغول، يا بن عباس، ملك جوارحك قلبك فإذا أدهاه (7) أمر طار النوم عنه، ها أنا ذا ترى من (8) أول الليل اعتراني الفكر والسهر لما تقدم من نقض عهد أول هذه الأمة المقدر عليها نقض عهدها.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر من أمر من أصحابه بالسلام علي في حياته بإمرة المؤمنين، فكنت أؤكد أن أكون كذلك بعد وفاته.
يا بن عباس، أنا أولى الناس بالناس بعده، ولكن أمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها ونهيها وصرف قلوب أهلها عني. وأصل ذلك ما قال الله عز وجل في كتابه: * (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) * (9). فلو لم يكن ثواب ولا عقاب لكان بتبليغ (10) الرسول صلى الله عليه وآله فرض على الناس اتباعه، والله عز وجل يقول: * (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (11). أتراهم نهوا عني فأطاعوا (12).
والذي فلق الحبة وبرء النسمة وغدا بروح أبي القاسم صلى الله عليه وآله