فقام أصحابنا إليها، فغابت [ثم عادوا إلى الطعام] فعادت تكتب:
وقد قتلوا الحسين بحكم جور * وخالف حكمهم حكم الكتاب فامتنعت عن الطعام، وما هنأني أكله، ثم أشرف علينا راهب من الدير، فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس، فأشرف فرأى عسكرا.
فقال الراهب للحراس: من أين جئتم؟ قالوا: من العراق، حاربنا الحسين.
فقال الراهب: ابن فاطمة، وابن بنت نبيكم، وابن ابن عم نبيكم؟! قالوا: نعم.
قال: تبا لكم، والله لو كان لعيسى بن مريم ابن لحملناه على أحداقنا، ولكن لي إليكم حاجة. قالوا: وما هي؟ قال: قولوا لرئيسكم: عندي عشرة آلاف دينار (1) ورثتها من آبائي، ليأخذها مني ويعطيني الرأس، يكون عندي إلى وقت الرحيل، فإذا رحل رددته إليه.
فأخبروا عمر بن سعد (2) بذلك، فقال: خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل فجاؤوا إلى الراهب، فقالوا: هات المال حتى نعطيك الرأس. فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف دينار، فدعا عمر بالناقد (3) والوزان، فانتقدها ووزنها ودفعها إلى جارية له، وأمر أن يعطى الرأس.
فأخذ الراهب الرأس، فغسله ونظفه، وحشاه بمسك وكافور [كان] عنده، ثم جعله في حريرة (4)، ووضعه في حجره، ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس، فقال: يا رأس والله ما أملك إلا نفسي، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، أسلمت على يديك وأنا