ثم دعاني، فقال: سرح. (1) ودعا بذلك الطشت، فسرحت، وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت، فقال: اقطع. فقطعت وشد يده، وردني إلى الحجرة، فبت فيها.
فلما أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال: سرح.
فسرحت، فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت، ثم قال: اقطع.
فقطعت، وشد يده، وقدم إلي تخت (2) ثياب وخمسين دينارا وقال: خذها، وأعذر وانصرف. فأخذت وقلت: يأمرني السيد بخدمة؟ قال: نعم، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول (3).
فصرت إلى بختيشوع، وقلت له القصة.
فقال: أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الانسان سبعة أمنان (4) من الدم، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا، وأعجب ما فيه اللبن.
ففكر ساعة، ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب على أن تجد لهذه الفصدة (5) ذكرا في العالم فلم نجد، ثم قال: لم تبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول.
فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى، فخرجت وناديته، فأشرف علي فقال: من أنت؟ قلت: صاحب بختيشوع. قال: أمعك كتابه؟ قلت: نعم. فأرخى لي زبيلا (6) فجعلت الكتاب فيه، فرفعه فقرأ الكتاب، ونزل من ساعته.