الرسالة الإلهية والإمامة غير مستغنية عن المعجزات:
فبما أن الله الذي خلق خلقه (ليعرف ويعبد ويجزي) بدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من ماء مهين (1) فجعله نسبا وصهرا، ثم هداهم برسله وكتبه، ووعدهم حياة طيبة في النشأة الآخرة: بأن يحيي جميع موتاهم، فيخرجون من الأجداث، كأنهم جراد منتشر فلا أنساب بينهم يومئذ، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين (والنبيين) إلى ميقات يوم معلوم، قال الله عز وجل:
" يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، وتكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.
وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ، وهو خلقكم أول مرة، وهذا يوم عظيم يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون:
أما في جنات النعيم تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم الثواب وحسنت مرتفقا.
وأما في دركات الجحيم، طعامهم من زقوم، وشرابهم من غسلين، وساءت مستقرا.
وبما أن تلك الحقائق التي وعدها الله في النشأة الآخرة بعد هذه النشأة الحاضرة المتفانية معارف من غيب الوجود الذي لا ينال بالعقل الذي لا يدرك إلا كليا دون الوجود الخارجي، ولا بعلم التلازم بين الشئ وأثره، كآيات تدل على وجود البارئ، أو النار والاحراق، دليلا لميا أو انيا، ولا بالحس الذي لا يدرك إلا الموجود الحاضر الملموس.
بل علمه خاص بعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحدا إلا لمن ارتضى من رسول فيوحي إليه من أنبائه.
وبما أن العقول قد بهرت وعجزت عن كنه معرفة الله كما قال تعالى: " ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء " وقال عز وجل في الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون: " ما قدروا الله حق قدره إذ قالوا: ما أنزل الله على بشر من شئ ".
وقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين، وما يهلكنا إلا الدهر.
وقال الكافرون: هذا شئ عجيب: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون خلقا جديدا؟!
وقال: من يحيي العظام وهي رميم؟! (2) وبما أن هذه رسالة إلهية، ودعوة دينية غيبية، غير مستغنية عن آية باهرة، ومعجزة قاطعة، وحجة بالغة، ليهلك من هلك عن بينة، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وبالجملة فلأجل هذا كله فالرسالة الإلهية والإمامة مفتقرة إلى الآيات والمعجزات