الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج ١ - الصفحة تقديم ٣
الرسالة الإلهية والإمامة غير مستغنية عن المعجزات:
فبما أن الله الذي خلق خلقه (ليعرف ويعبد ويجزي) بدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من ماء مهين (1) فجعله نسبا وصهرا، ثم هداهم برسله وكتبه، ووعدهم حياة طيبة في النشأة الآخرة: بأن يحيي جميع موتاهم، فيخرجون من الأجداث، كأنهم جراد منتشر فلا أنساب بينهم يومئذ، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين (والنبيين) إلى ميقات يوم معلوم، قال الله عز وجل:
" يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، وتكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.
وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ، وهو خلقكم أول مرة، وهذا يوم عظيم يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون:
أما في جنات النعيم تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم الثواب وحسنت مرتفقا.
وأما في دركات الجحيم، طعامهم من زقوم، وشرابهم من غسلين، وساءت مستقرا.
وبما أن تلك الحقائق التي وعدها الله في النشأة الآخرة بعد هذه النشأة الحاضرة المتفانية معارف من غيب الوجود الذي لا ينال بالعقل الذي لا يدرك إلا كليا دون الوجود الخارجي، ولا بعلم التلازم بين الشئ وأثره، كآيات تدل على وجود البارئ، أو النار والاحراق، دليلا لميا أو انيا، ولا بالحس الذي لا يدرك إلا الموجود الحاضر الملموس.
بل علمه خاص بعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحدا إلا لمن ارتضى من رسول فيوحي إليه من أنبائه.
وبما أن العقول قد بهرت وعجزت عن كنه معرفة الله كما قال تعالى: " ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء " وقال عز وجل في الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون: " ما قدروا الله حق قدره إذ قالوا: ما أنزل الله على بشر من شئ ".
وقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين، وما يهلكنا إلا الدهر.
وقال الكافرون: هذا شئ عجيب: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون خلقا جديدا؟!
وقال: من يحيي العظام وهي رميم؟! (2) وبما أن هذه رسالة إلهية، ودعوة دينية غيبية، غير مستغنية عن آية باهرة، ومعجزة قاطعة، وحجة بالغة، ليهلك من هلك عن بينة، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وبالجملة فلأجل هذا كله فالرسالة الإلهية والإمامة مفتقرة إلى الآيات والمعجزات

(1) تجد تفصيل آيات الانسان في النشأتين في كتابنا " المدخل إلى التفسير الموضوعي ".
(2) أمثال هذه الآيات والمقالات كثيرة جمعناها في كتابنا " المدخل إلى التفسير الموضوعي ".
(تقديم ٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « تقديم 1 تقديم 2 تقديم 3 تقديم 4 4 5 6 7 8 9 10 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة التحقيق 3
2 مقدمة المؤلف 17
3 فهرس الأبواب 19
4 الباب الأول في معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وآله 21
5 فصل في أقسام معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله 22
6 فص من روايات العامة في معجزاته صلى الله عليه وآله 23
7 فصل فيما ذكر فيه نبينا محمد صلى الله عليه وآله في الكتب المتقدمة 73
8 فصل من روايات الخاصة في معجزاته صلى الله عليه وآله 83
9 الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 171
10 الباب الثالث في معجزات الإمام الحسن بن علي عليهما السلام 236
11 الباب الرابع في معجزات الإمام الحسين بن علي عليهما السلام 245
12 الباب الخامس في معجزات الإمام علي بن الحسين عليهما السلام 255
13 الباب السادس في معجزات الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام 272
14 الباب السابع في معجزات الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام 294
15 الباب الثامن في معجزات الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام 307
16 الباب التاسع في معجزات الإمام على بن موسى الرضا عليهما السلام 337
17 الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام 372
18 الباب الحادي عشر في معجزات الإمام علي بن محمد عليهما السلام 392
19 الباب الثاني عشر في معجزات الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام 420
20 الباب الثالث عشر في معجزات الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام 455