على نظام ووضعها في الحكمة مواضعها من غير زيادة فيها ولا نقصان كما قال تعالى * (وقدر فيها أقواتها) * فصلت فاما أفعال العباد فيصح ان نقول فيها ان الله تعالى قضى بالطاعة منها على معنى انه حكم بها والزمها عباده وأوجبها وهذا هو الزام أمر وليس بإلجاء ولا جبر ونقول أيضا انه سبحانه قدر أفعال العباد بمعنى انه بين لهم مقاديرها من حسنها وقبحها ومباحها وحظرها وفرضها ونفلها فاما القول بأنه قضاها على معنى انه خلقها فغير صحيح لأنه لو خلق الطاعة والمعصية لسقط اللوم عن العاصي بموجب العدل ولم يكن معنى لإثابة الطائع في حجة ولا عقل ونقول في أفعال الله تعالى انها كلها بقدر يريد انها لا تفاوت فيها ولا خلل وانها بموجب الحكمة ملتئمة وعلى نسق الصواب منتظمة فاما الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله حكاية عن الله سبحانه من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي فهو واضح المعنى للعاقل وهذا القضاء من الله تعالى هو مما يبتلى به العبد من اعلاله وأسقامه وعوارضه وآلامه وفقره بعد الغنى وما يمتحنه من فقد الأعزاء والأقرباء كل ذلك من قضاء الله الذي يجب الرضا به والصبر عليه وهو مما يفعله الله سبحانه بعبده للحكمة التي تقتضيه وما يعلمه الله عز وجل من الصلاح الذي لعبده فيه وكيف يقضي الله على العبد بالمعصية وهي من الباطل الذي يعاقب عليه وقد قال الله عز من قائل * (والله يقضي بالحق) * غافر وكذلك القول في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله من ايجابه الايمان بالقضاء والقدر خيره وشره فالخير من القضاء والقدر هو ما مالت إليه الطباع والتذت به الحواس والشر بالضد من ذلك على ما تقدم به البيان وسمي شرا لما على النفس في تحمله من المشاق وهو أيضا مما أجمع المسلمون عليه من الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره ولو كان الظلم والغضب والكفر بالله عز وجل من قضاء الله وقدره لوجب الرضا به وترك انكاره فلما رأينا العقلاء ينكرونه ولا يرضونه ويعيبون على من رضي به ويذمونه علمنا أنه ليس من قضاء الله سبحانه (اخبرني) شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه اجازة قال حدثنا محمد بن عمر الحافظ املاء قال حدثنا أبو القاسم إسحاق بن جعفر العلوي قال حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي عن سليمان بن محمد القرشي عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه عن جده عليهم السلام قال دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقال أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء الله وقدره فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أجل يا شيخ فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا الا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما لو كان ذلك به لبطل الثواب والعقاب
(١٦٩)