كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٠٢
بالتذكار إلى سنن التأمل والاعتبار وهذا أمر يدل عليه ما نشاهده من أحوال العقلاء وافتقارهم إلى من يفتح لهم باب الاستدلال أولا وفي بعض ما أوردناه بيان عن غلط البراهمة فيما اعتمدت ونقض لشبهتها التي ذكرت والحمد لله (مختصر من الكلام على اليهود في انكارهم جواز النسخ في الشرع) اعلم أن اليهود طائفتان إحداهما تدعي ان نسخ الشرع لا يجوز في العقل والاخرى تجيز ذلك عقلا وتزعم ان المنع منه ورد به السمع فاما المدعون على العقل الشهادة بقبح النسخ فإنهم زعموا ان النسخ هو البداء قالوا والبداء لا يجوز على الله تعالى فيقال لهم لم زعمتم ان النسخ هو البداء فإن قالوا للمتعارف بين العقلاء ان الامر بالشئ إذا نهى عنه بعد امره وقد بدا له فيه و كذا إذا نهى عن الشئ ثم أمر به من بعد نهيه قيل لهم ما تنكرون من أن يكون على هذا قسمين أحدهما ان يأمر الامر بالشئ في وقت وإذا فعل وجاز وقت فعله نهى عنه من بعد فيكون في الحقيقة إنما نهى عن مثله وهذا هو النسخ بعينه وكذلك القول في الامر بالشئ بعد النهي عنه والقسم الأخر ان يأمر بفعل الشئ في وقت فإذا اتى ذلك الوقت نهى عنه فيه بعينه قبل ان يفعل ويكون هذا هو البداء دون القسم الأول ويحصل الفرق بين البداء والنسخ ويتضح ان دعواكم فيهما انهما واحد لم تصح فإن قالوا إن العبادة إذا تعلقت على المكلف بأمر نهي فالحكمة اقتضتها فمتى تغيرت العبادة دلت على تغيير الحكمة والحكمة لا يجوز تغييرها قيل لهم قالا قلتم ان العبادة إذا ألزمت المكلف فالحكمة اقتضتها المصلحة من مصالح المكلف أوجبتها فإذا تغيرت العبادة دلت على أن الحكمة اقتضت ذلك لتغير المصالح (والمصلحة يجوز تغييرها فإن قالوا انا لا نعلم العقل تغيير) قيل لهم وكذلك لا تعرفون بالعقل المصالح ثم يقال لهم ما السبب في أن نقل الله تعالى الانسان من كونه شابا إلى أن صيره شيخا وأفقره ثم أغناه وأماته بعد ان أحياه وكيف أصحه ثم أسقمه واوجده ثم اعدمه فكيف تغيرت الحكمة في جميع ما عددنا وما أنكرتم من أن يكون هذا كله بداء أي اختلاف في المصالح يكون أوضح من هذا وأما المدعون من اليهود ان ابطال النسخ علم بالسمع دون العقل فإنهم ادعوا في ذلك على موسى عليه السلام أنه قال إن شريعته دائمة لا تنسخ والذي يدل على بطلان دعواهم هذه ظهور المعجزات على من اتى بالنسخ ولو كان خبرهم حقا لم يصح اتيان ذي معجز بنسخ وهذه المعجزات يعلم أنها قد كانت بمثل ما تعلم له اليهود ومعجزات موسى عليه السلام من غير فرق (فصل في ذكر البداء) اعلم أيدك الله تعالى ان أصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء ولهم في نصرة القول به كلام ومعهم فيه آثار وقد استشنع ذلك منهم مخالفوهم وشنع عليهم به مناظروهم وإنما استشنعوه لظنهم انه يؤدي إلى القول بان الله تعالى علم في
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»