خاتمة المستدرك - الميرزا النوري - ج ٢ - الصفحة ١١٧
وأما ولده الشيخ الأكبر فهو من آيات الله العجيبة التي تقصر عن دركها العقول، وعن وصفها الألسن، فإن نظرت إلى علمه فكتابه كشف الغطاء - الذي ألفه في سفره - ينبئك عن أمر عظيم، ومقام على في مراتب العلوم الدينية، أصولا " وفروعا ". وكان الشيخ الأعظم الأنصاري - رحمه الله - يقول ما معناه: من أتقن القواعد الأصولية التي أودعها الشيخ في كشفه، فهو عندي مجتهد.
وحدثني الشيخ الأستاذ - رحمه الله - قال: قلت لشيخي صاحب جواهر الكلام: لم أعرضت عن شرح كشف الغطاء، ولم تؤد حق صاحبه وهو شيخك وأستاذك، وفي كتابه من المطالب العويصة والعبارات المشكلة ما لا يحصى؟
فقال: يا ولدي أنا عجزان من أووات الشيخ، أي لا أقدر على استنباط مدارك الفروع المذكورة فيه بقوله: أو كذا أو كذا.
وإن تأملت في مواظبته للسنن والآداب، وعباداته ومناجاته في الأسحار، ومخاطبته نفسه بقوله: كنت جعيفرا "، ثم صرت جعفرا "، ثم الشيخ جعفر، ثم شيخ العراق، ثم رئيس الاسلام، وبكائه وتذلله، لرأيته من الذين وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) من أصحابه للأحنف بن قيس، مع ما اشتهر من كثرة أكله، وإن كان (رحمه الله) ما كان يأكل إلا الجشب ولا يلبس إلا الخشن، فلا تورثه الملل والكسل عما كان عليه من التضرع والإنابة والسهر.
وإن تفكرت في بذله الجاه العظيم الذي أعطاه الله تعالى من بين أقرانه، والمهابة والمقبولية عند الناس على طبقاتهم من الملوك والتجار والسوقة للفقراء والضعفاء من المؤمنين وحضه على طعام المسكين، لرأيت شيئا " عجيبا "، وقد نقل عنه في ذلك مقامات وحكايات لو جمعت لكانت رسالة طريفة نافعة.
ومن طريف ما سمعناه ونتبرك به في هذه الأوراق، ما حدثني به الثقة العدل الصفي السيد مرتضى النجفي - وكان ممن أدركه في أوائل عمره - قال:
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»