أبي عبد الله، فجئت بها إليه فقرأها ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه، ثم قال لي: أي شئ جرى لك في مجلسه؟ فقد أوصاني بك ولقبك ب " المفيد " فذكرت له المجلس بقصته فتبسم (1) فهذين العلمين الجعل وغلام أبي الجيش من مشايخه الذين أخذ عنهم وهو في سن مبكرة، كما أنه لم يقتصر أخذه وهو في سنه تلك عليهما، بل إنه أخذ الحديث عن آخرين وسنه لم يتجاوز العشرين فقد ذكروا أنه روى عن الشريف أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي المرعشي الطبري وأنه تحمله سنة 354 فيكون عمره الشريف حينئذ ثمانية عشر سنة تقريبا، وكذا روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي فإنه روى عنه عند مقدمه إلى بغداد سنة 352 أو سنة 355 (2).
وهناك شيوخ أفذاذ كانوا أعلام عصره تشد إليهم الرحال من الأطراف، وهم مطمح الانظار ومعقد الآمال، سمع منهم وقرأ عليهم وحوى من علومهم ما كان رصيده يوم أشير إليه بالبنان، وغدا المجلي في حلبة الميدان.
وإن المستقرئ لدقائق أخباره وجليل آثاره ليدرك مدى اهتمامه بالتعلم، ويعرف شدة شغفه بالأخذ والتحمل، فقد كان بما منحه الله من صفاء الذهن وآتاه من حسن المعرفة مشاركا في كثير من العلوم والفنون. جامعا لروائعها. ملما بدقائقها. مع عمق الغور ودقة التفكير ورقة التعبير وحسن الأداء ولعل فيما ذكرناه من حكايته مع الرماني خير دليل على ذلك. فانا نجده وهو تلميذ مؤدبا باكثير التواضع للعلم وأهله، ونجده وهو