إعلام الخائض - السقاف - الصفحة ٥
مقدمة إعلم أنه يحرم القرآن على الجنب والحائض سواء مسه وقراءته، وذلك بمقتضى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والآثار عن السلف، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة رضي الله عن الجميع ولنفصل ذلك ولندلل عليه فنقول:
اعلم يرحمك الله تعالى أن الحائض أغلظ حدثا من الجنابة، فما ينطبق على الجنب ينطبق عليها، وما ينطبق عليها قد لا ينطبق على الجنب لأنها أغلظ حدثا منه، فمثلا الجنب لا يحل له المكث في المسجد وكذا هي لان حدثها أشد وقد جاء ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: " إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " صحيح (1)، وروي

(١) قلت: قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (١ / ١٣٩ - ١٤٠): رواه أبو داود من حديث جسرة عن عائشة وفيه قصة، وابن ماجة والطبراني من حديث جسرة عن أم سلمة، وحديث الطبراني أتم، وقال أبو زرعة: الصحيح حديث جسرة عن عائشة.. وقد صححه ابن خزيمة، وحسنه ابن القطان. ا ه‍.
قلت: ومن الغريب العجيب أن يضعف الألباني هذا الحديث في إرواء الغليل (١ / ١٢٠) بجسرة ناقلا قول البخاري: (وعن جسرة عجائب) وجوابه: أن هذا تضعيف مردود، لان المعمول به عند الحفاظ توثيقها، وقول البخاري أن عندها العجائب لا يضعف حديثها فان عند كثير من رواة الصحيح عجائب، تجنب الحفاظ تلك العجائب وأخذوا بالباقي ولو أن الألباني نقل تمام ما قيل في جسرة لانكشف بطلان كلامه، فلنتم كلام الحفاظ فيها فنقول: قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٣٥ دار الفكر):
روت عن أبي ذر وعلي وعائشة وأم سلمة، وعنها قدامة وافلت ابن خليفة ومحدوج الذهلي وعمر بن عمير بن محدوج، قال العجلي: ثقة تابعية وذكرها ابن حبان في الثقات قلت: وذكرها أبو نعيم في الصحابة وقال البخاري عن جسرة عجائب. قال أبو الحسن ابن القطان هذا القول لا يكفي لمن يسقط ما روت، كأنه يعرض بابن حزم لأنه زعم أن حديثها باطل، ا ه‍ كلام ابن حجر رحمه الله تعالى.
وقال الحافظ في تقريب التهذيب (٨٥٥١): مقبولة من الثالثة، ويقال أن لها ادراكا، ا ه‍ وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (٣ / ٤٦٦ برقم ٢٢ / ٢): (وثقت).
ا ه‍.
فلا أدري لم كتم الألباني كل ذلك ولم يذكر إلا قول الجارح وهو غير معمول به بل لا يفيده هنا شيئا، وقد ذكر الألباني في نفس الصحيفة من الارواء (١ / ٢١٠) أن البيهقي روى في تأييد حديث جسرة أيضا عن ابن عباس قال: " لا تدخل المسجد وأنت جنب إلا أن يكون طريقك فيه، ولا تجلس " في تفسير قول الله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا). ثم قال الألباني: لكن فيه أبو جعفر الرازي وهو ضعيف، ومع ضعفه فإنه مخالف لسبب نزول الآية، فقد قال علي رضي الله عنه: " أنزلت هذه الآية في المسافر: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء، فإذا أدرك الماء اغتسل " ا ه‍.
وأجيب الألباني فأقول له:
كلامك غير صحيح من أوجه:
(الأول):
قولك (لكن فيه أبو جعفر الرازي وهو ضعيف) ليس صحيحا، وذلك لان أبا جعفر الرازي ثقة، وضعف حديثه في روايته عن مغيرة فقط، (وكلمة نحوه بعدها من تحريف النساخ لا قيمة له) كما ذكر ذلك الحفاظ وعلى رأسهم علي المديني ويحيى بن معين، ففي تهذيب التهذيب (١٢ / ٥٩ دار الفكر:
وقال حنبل عن أحمد: صالح الحديث، وعن ابن معين: كان ثقة خراسانيا، وقال الدوري عن ابن معين: ثقة وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة، وعن علي بن المديني: يخلط فيما روى عن مغيرة وقال علي: كان عندنا ثقة. ا ه‍ ملخصا.
فرجل يوثقه: يحيى بن معين وعلي بن المديني ويبينا جهة الضعف في حديثه لا يقال عنه ضعيف، وخصوصا ان الإمام أحمد يقول في رواية: صالح الحديث، ووثقه أيضا: أبو حاتم فقال: ثقة صدوق صالح الحديث، ووثقه أيضا ابن سعد والحاكم وابن عبد البر، كما في تهذيب التهذيب، وكلام من جرحه لا شك انه منصب في روايته عن مغيرة كما وضح ذلك أئمة الفن يحيى ين معين وعلي المديني فتدبر.
وهذا الأثر لم يروه أبو جعفر عن مغيرة وإنما رواه عن زيد ابن أسلم كما في سنن الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى (٢ / ٤٤٣) فتأمل.
وبه يسقط تضعيف الألباني للأثر. والألباني متى أراد أن يوثق رجلا لكون حديثه يؤيد ما يهوى ويتمنى وثقه، فعبد الله بن محمد بن عقيل الذي قال عنه في تعليقه على سنة ابن أبي عاصم ص (٢٢٥) حسن الحديث، مع أن أكثر من عشرة أئمة من أكابر علماء الجرح والتعديل ضعفوه جدا ومنهم من وصفه بأنه متروك انظر تهذيب التهذيب (٦ / ١٣ دار الفكر) والألباني يقول: حسن الحديث. ا ه‍.
(ا لثاني):
قوله (ومع ضعفه فإنه مخالف لسبب نزول الآية) قول مردود، لأنه غفل عن القاعدة الأصولية الناصة بأن: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) فابن عباس رضي الله عنهما استنبط من الآية ما ذكر، فلا تعارض بين الاثرين.
وخصوصا أن الحافظ قال في التخليص (١ / ١٣٨): وصح عن عمر: " أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب " وساقه عنه في الخلافيات: بإسناد صحيح ا ه‍.
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 8 9 10 10 16 18 ... » »»
الفهرست