البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٦ - الصفحة ٤٣
صحيح لما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي مرسلا عن مكحول مرفوعا من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه وجهالته بعدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة لأنه لو لم يوافقه يرده فصار كجهالة الوصف في المعاين المشار إليه. وإطلاق الكتاب يقتضي جواز البيع سواء سمى جنس المبيع أو لا، وسواء أشار إلى مكانه أو إليه وهو حاضر مستور أو لا مثل أن يقول بعت منك ما في كمي، وعامة المشايخ قالوا: إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده. وطائفة قالوا: لا يجوز لجهالة المبيع من كل وجه. والظاهر أن المراد بالاطلاق ما ذكره شمس الأئمة وصاحب الاسرار والذخيرة من أن الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز حتى لو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لم يجز بالاجماع مثل أن يشتري ثوبا في جراب أو زيتا في زق أو حنطة في غرارة من غير أن يرى شيئا، ومنه أن يقول بعتك درة في كمي صفتها كذا أو لم يقل صفتها كذا أو هذه الجارية وهي حاضرة متنقبة لبعد القول بجواز ما لم يعلم جنسه أصلا كأن يقول بعتك شيئا بعشرة، كذا في فتح القدير. وأراد بما لم يره ما لم يره وقت العقد ولا قبله، والمراد بالرؤية العلم بالمقصود من باب عموم المجاز فصارت الرؤية من أفرا المعنى المجاز ليشمل ما إذا كان المبيع مما يعرف بالشم كالمسك وما اشتراه بعد رؤيته فوجده متغيرا وما اشتراه الأعمى. وفي القنية: اشترى ما يذاق فذاقه ليلا ولم يره سقط خياره.
قوله: (وله أن يرده إذا رآه وإن رضي قبله) أي للمشتري رده وإن قال رضيت قبل العلم به. وأعاد الضمير مذكرا للمعنى لأن الخيار معلق بالرؤية لما روينا فلا يثبت قبلها.
وأورد طلب الفرق بين الفسخ والإجازة قبلها فإنها غير لازمة وهو لازم مع استوائهما في التعلق بالشرط. والجواب أن للفسخ سببا آخر وهو عدم لزوم هذا العقد، وما كان ليس بلازم فللمشتري فسخه ولم يثبت لها سبب آخر فبقيت على العدم. ومنعه في فتح القدير بأنا لا نسلم أنه قبلها غير لازم بل نقول إنه بات، وإنما يحصل له عدم للزوم عندها فقبلها يثبت حكم السبب وهو اللزوم اه‍. وهو مردود لأن اللازم ما لا يقبل الفسخ من أحدهما بدون رضا الآخر وهذا يقبله إذا رآه. وفي المحيط: قيل لا يملك فسخه قبلها وقيل يملكه وهو الأصح لأن الفسخ كما يملك بالخيار يملك بسبب عدم لزوم البيع كالعارية والوديعة والوكالة والشركة وعدم اللزوم ثابت بسبب جهالة المبيع. واختلفوا هل هو مطلق أو موقت؟ فقيل موقت بوقت إمكان الفسخ بعدها حتى لو تمكن منه ولم يفسخ سقط خياره وإن لم توجد الإجازة صريحا ولا دلالة. وقيل: يثبت الخيار له مطلقا نص عليه في نوادر ابن رستم. وذكر
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست