البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٤٤
أو لونه أو ريحه (1) واستدل الإمام الشافعي رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل خبثا واستدل أبو حنيفة على ما ذكره الرازي في أحكام القرآن بقوله تعالى * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157) والنجاسات لا محالة من الخبائث فحرمها الله تحريما مبهما ولم يفرق بين حال اختلاطها وانفرادها بالماء فوجب تحريم استعمال كل ما تيقنا به جزءا من النجاسة، وتكون جهة الخطر من طريق النجاسة أولى من جهة الإباحة لأن الأصل أنه إذا اجتمع المحرم والمبيح قدم المحرم. وأيضا لا نعلم بين الفقهاء في سائر المائعات إذا خالطه اليسير من النجاسة كاللبن والادهان أن حكم اليسير في ذلك كحكم الكثير وأنه محظور عليه أكل ذلك وشربه، فكذا الماء بجامع لزوم اجتناب النجاسات، ويدل عليه من السنة قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من الجنابة وفي لفظ آخر ولا يغتسلن فيه من جنابة، ومعلوم أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير لونه ولا طعمه ولا رائحته وقد منع منه النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها الاناء فإنه لا يدري أين باتت يده (3) فأمر بغسل اليد احتياطا من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء، ومعلوم أنها لا تغير الماء ولولا أنها مفسدة عند التحقيق لما كان للامر بالاحتياط معنى. وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة ولوغ الكلب بقوله طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا (4) وهو لا يغير ا ه‍. فالحاصل أنه حيث غلب على الظن وجود نجاسة في الماء لا يجوز استعماله أصلا بهذه الدلائل لا فرق بين أن يكون قلتين أو أكثر أو أقل، تغير أو لا. وهذا مذهب أبي حنيفة والتقدير بشئ دون شئ لا بد فيه من نص ولم يوجد، وفي بعض هذا الاستدلال كلام نذكره إن شاء الله تعالى. وأما ما استدل به مالك
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست