قوله (وتعوذ سرا) أي قال المصلي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو اختيار أبي عمر وعاصم وابن كثير وهو المختار عندنا وهو قول الأكثر من أصحابنا لأنه المنقول من استعاذته صلى الله عليه وسلم، وبهذا يضعف ما اختاره في الهداية من أن الأولى أن يقول أستعيذ بالله ليوافق القرآن يعني لأن المذكور فيه فاستعذ بصيغة الامر من الاستعاذة وأستعيذ مضارعها فيتوافقان بخلاف أعوذ فإنه من العوذ لا من الاستعاذة، وجوابه كما في فتح القدير أن لفظ استعذ طلب العوذ، وقوله أعوذ مثال مطابق لمقتضاه، أما قربه من لفظه فمهدر. وفي البدائع:
ولا ينبغي أن يزيد عليه أن الله هو السميع العليم يعني كما هو اختيار نافع وابن عامر والكسائي لأن هذه الزيادة من باب الثناء، وما بعد التعوذ محل القراءة لا محل الثناء، وقد قدم المصنف أنه سنة لقوله تعالى * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * (النحل:
98) أي إذا أردت قراءة القرآن فأطلق المسبب على السبب. وإنما لم يكن واجبا لظاهر الامر لأن السلف أجمعوا على سنيته كما نقله المصنف في الكافي ولم يعين سند الاجماع الذي هو الصارف للامر عن ظاهره، وعلى القول بأنه لا يحتاج إلى سند بل يجوز أن يخلق الله لهم علما ضروريا يستفيدون به الحكم فلا إشكال. وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود أربع يخفيهن الإمام: التعوذ والتسمية وآمين وربنا لك الحمد. فقوله سرا عائد إلى الاستفتاح والتعوذ قوله (للقراءة فيأتي به المسبوق لا المقتدي ويؤخر عن تكبيرات العيدين) يعني أن التعوذ سنة القراءة فيأتي به كل قارئ للقرآن لأنه شرع لها صيانة عن وساوس الشيطان فكان تبعا لها وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي وسف هو تبع للثناء. وفائدة الخلاف في ثلاث مسائل: إحداها أنه لا يأتي به المقتدي عندهما لأنه لا قراءة عليه، ويأتي به