البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٤٦١
منهم. وأما ابن أم مكتوم الأعمى فإن بلالا كان يؤذن قبله. وفي النهاية: ومتى كان مع الأعمى من يحفظ عليه أوقات الصلاة يكون حينئذ تأذينه وتأذين البصير سواء. وإنما كرهت إمامتهم لأن الناس ينفرون من الصلاة خلفهم أو لأن العبد مشغول بخدمة مولاه فلا يتفرغ للعلم كالأعرابي وهو ليس بموجود في الاذان لعدم احتياجه إلى العلم. وينبغي أن العبد إن أذن لنفسه لا يحتاج إلى إذن سيده، وإن أراد أن يكون مؤذنا للجماعة لم يجز إلا بإذن سيده لأن فيه إضرارا بخدمته لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات ولم أره في كلامهم قوله (وكره تركهما للمسافر) أي ترك الأذان والإقامة لما رواه البخاري ومسلم عن مالك بن الحويرث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فلما أردنا الانتقال من عنده قال لنا: إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما. وإذا كان هذا الخطاب لهما ولا حاجة لهما مترافقين إلى استحضار أحد علم أن المنفرد أيضا يسن له ذلك، وقد ورد في خصوص المنفرد أحاديث في أبي داود والنسائي يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن للصلاة ويقيم للصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة وعن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل بأرض فئ فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه رواه عبد الرزاق.
وبهذا ونحوه عرف أن المقصود من الاذان لم ينحصر في الاعلام بل كل منه. ومن الاعلان بهذا الذكر نشر الذكر لله ودينه في أرضه وتذكير العبادة من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات من العباد. قيد بتركهما لأنه لو ترك الاذان وأتى بالإقامة لا يكره لاثر علي رضي الله عنه ولو عكس يكره كما في شرح النقاية قوله (لا لمصل في بيته في المصر) أي لا يكره تركهما له، والفرق بينهما أن المقيم إذا صلى بدونهما حقيقة فقد صلى بهما حكما لأن المؤذن نائب عن أهل المحلة فيهما فيكون فعله كفعلهم، وأما المسافر فقد صلى بدونهما حقيقة وحكما لأن المكان الذي هو فيه لم يؤذن فيه أصلا لتلك الصلاة. كذا في الكافي. ومفهومه أنه لو لم يؤذنوا في الحي فإنه يكره تركهما للمصلي في بيته، وقد صرح به في المجتبى أنه لو أذن بعض المسافرين سقط عن الباقين كما لا يخفى. وأطلق في المصلي في بيته فأفاد أنه لا فرق بين الواحدة
(٤٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»
الفهرست