والجب إذا غار ماؤها ثم عاد فيه روايتان في رواية يعود نجسا وهو الأصح اه. فالحاصل أن التصحيح والاختيار قد اختلف في كل مسألة منها كما ترى، فالأولى اعتبار الطهارة في الكل كما يفيده أصحاب المتون حيث صرحوا بالطهارة في كل، وملاقاة الماء الطاهر لا توجب التنجس وقد اختاره في فتح القدير، فإن من قال بالعود بناه على أن النجاسة لم تزل وإنما قلت، ولا يرد المستنجي بالحجر ونحوه إذا دخل في الماء القليل فإنهم قالوا بأنه ينجسه لأن غير المائع لم يعتبر مطهرا في البدن إلا في المني، وجواز الاستنجاء بغير المائعات إنما هو لسقوط ذلك المقدار عفوا لا لطهارة المحل فعنه أخذوا كون قدر الدرهم في النجاسات عفوا على أن المختار طهارته أيضا كما سنبينه في آخر الباب.
ثم أعلم أنه قد ظهر إلى هنا أن التطهير يكون بأربعة أمور: بالغسل الدلك والجفاف والمسح في الصقيل دون ماء والفرك يدخل في الدلك. والخامس مسح المحاجم بالماء بالخرق كما قدمناه. والسادس النار كما قدمناه في الأرض إذا احترقت بالنار. والسابع انقلاب العين فإن كان في الخمر فلا خلاف في الطهارة، وإن كان في غيره كالخنزير والميتة تقع في المملحة فتصير ملحا يؤكل. والسرقين والعذرة تحترق فتصير رمادا تطهر عند محمد خلافا لأبي يوسف، وضم إلى محمد أبا حنيفة في المحيط، وكثير من المشايخ اختاروا قول محمد. وفي الخلاصة: وعليه الفتوى. وفي فتح القدير أنه المختار لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل، فإن الملح غير العظم واللحم فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح، ونظيره في الشرع النطفة نجسة وتصير علقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ويصير خلا فيطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها، وعلى قول محمد فرعوا الحكم بطهارة