البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٨٩
الوقت لو غسل رجليه فإنه يمسح، ومنها إذا أخاف فوت الوقوف بعرفة لو غسل رجليه ولم أر من صرح بهذا من أئمتنا لكني رأيته فكتب الشافعية وقواعدنا لا تأباه كما لا يخفى، ولم يجعله مستحبا لأن من اعتقد جوازه ولم يفعله كان أفضل لاتيانه بالغسل إذ هو أشق على البدن. قال في التوشيح: وهذا مذهبنا وبه قال الشافعي ومالك ورواه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والبيهقي عن أبي أيوب الأنصاري أيضا. وقال الشعبي والحكم وحماد والإمام أبو الحسن الرستغفني من أصحابنا: إن المسح أفضل وهو أصح الروايتين عن أحمد، أما النفي التهمة عن نفسه لأن الروافض والخوارج لا يرونه، وإما للعمل بقراءة النصب والجر. وعن أحمد أنهما سواء وهو اختيار ابن المنذر. احتج من فضل المسح بقوله عليه السلام في حديث المغيرة بهذا أمرني ربي رواه أبو داود. والامر إذا لم يكن للوجوب كان للندب. ولنا حديث علي قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. ذكره ابن خزيمة في صحيحه وكذا في حديث صفوان ذكر الرخصة والاخذ بالعزيمة أولى. فإن قيل: فهذه رخصة إسقاط لما عرف في أصول الفقه فينبغي أن لا يكون مشروعا ولا يثاب على إتيان العزيمة ههنا إذ لا تبقى العزيمة مشروعة إذا كانت الرخصة للاسقاط كما في قصر الصلاة قلنا: العزيمة لم تبق مشروعة ما دام متخففا أيضا والثواب باعتبار النزع والغسل، وإذا نزع صارت مشروعة وسقط سبب الرخصة في حقه أيضا فكان هذا نظير من ترك السفر سقط عنه سبب رخصة سقوط القصر، وليس لاحد أن يقول إن تارك السفر آثم اه‍. وهكذا أجاب النسفي وشراح الهداية وأكثر الأصوليين، ومبنى السؤال على أنه رخصة إسقاط، ومنعه الشارح الزيلعي رحمه الله وخطأهم في تمثيلهم به في الأصول لأن المنصوص عليه في عامة الكتب أنه لو خاض ماء بخفه فانغسل أكثر قدميه بطل المسح، وكذا لو تكلف غسلهما من غير نزع أجزأه عن الغسل حتى لا يبطل بمضي المدة، فعلم أن العزيمة مشروعة مع الخف اه‍. ودفعه المحقق العلامة في فتح القدير بأن مبنى هذه التخطئة على صحة هذا الفرع وهو منقول في الفتاوى الظهيرية لكن في صحته نظر، فإن كلمتهم متفقة على أن الخف اعتبر شرعا مانعا سراية الحدث إلى القدم فتبقى القدم على طهارتها ويحل الحدث بالخف فيزال بالمسح، وبنوا عليه منع المسح للمتيمم والمعذورين بعد الوقت وغير ذلك من الخلافيات.
وهذا يقتضي أن غسل الرجل في الخف وعدمه سواء إذا لم يبتل معه ظاهر الخف في أنه لم يزل به الحدث لأنه في غير محله فلا تجوز الصلاة به لأنه صلى مع حدث واجب الرفع إذ لو لم يجب والحال أنه لا يجب غسل الرجل جازت الصلاة بلا غسل ولا مسح فصار كما
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»
الفهرست