المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٨٦
حصل الهلاك لا بمباشرته بل بإمساكه الذي هو حكم دفع الدافع وهو متعد في الدفع فيضمن بخلاف ما إذا حصل التلف بمباشرته وحدث من جهة الصبي باختياره لأنه طرأت المباشرة على التسبيب فينقطع حكم التسبيب وهذه المباشرة ليست حكم ذلك التسبيب فلا يثبت الرجوع بخلاف ما إذا أمره بالقتل حكما وإذا غصب الرجل الصبي الحر فذهب به فهو ضامن له ان قتل أو أصابه حجرا وأكله سبع أو تردى من حائط عندنا استحسانا وفي القياس لا شئ عليه وهو قول زفر والشافعي وجه القياس أن ضمان الغصب يختص بما هو مال متقوم والصبي الحر ليس بمال متقوم فلا يضمن بالغصب كالميتة والدم والدليل عليه أنه لو مات حتف أنفه أو أصابته حمى فمات أو مرض فمات أو خرجت به قرحة فمات لم يضمن الغاصب شيئا بالاتفاق والدليل عليه انه لو غصب مكاتبا صغيرا فمات في يده ببعض هذه الأسباب لم يضمن الغاصب شيئا فالحر أولى وكذلك لا يضمن أم الولد بالغصب وان تلفت بهذه الأسباب لأنه لم يبق لرقها قيمة فلأن لا يضمن الحر بهذه الأسباب كان أولى * وحجتنا في ذلك أنه سبب لاتلافه بغير حق والمسبب إذا كان متعديا في سبب فهو ضامن والدية على عاقلته كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق وبيان الوصف أنه أزال يد حافظه عنه في حال حاجته إلى الحفظ ولم يقم بحفظه بنفسه فكان مسببا لاتلافه وهو متعد في ذلك لأنه ممنوع شرعا من إزالة يد حافظه ومعنى قولنا إن لم يقم بحفظه بنفسه لأنه تلف بأمر يمكن التحرز عنه بخلاف ما إذا مات لان ذلك لا يستطاع الامتناع عنه فلا يكون دليلا على تركه الحفظ أو على أنه كان سببا لإزالة حافظه عنه فأما التردي من الحائط ونهش الحية وإصابة الحجر فإنه يمكن التحرز عنه في الجملة وبهذا تبين أن هذا الضمان ضمان جناية لا ضمان غصب والحر يضمن بالجناية تسبيبا كان أو مباشرة وهذا بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه صغيرا كان أو كبيرا فهو بفعله ما حال بينه وبين نفسه وبخلاف أم الولد فإنها تقوم بحفظ نفسها فلا يكون هو جانيا بإزالة الحفظ عنها فلهذا لا يضمن نقصها ولو قتل الصبي في يد الغاصب رجلا فليس على الغاصب في ذلك شئ لأنه لم يأمره بالقتل ولكنه أنشأ القتل باختياره فلو ثبت للعاقلة حق الرجوع على الغاصب كان ذلك باعتبار يده على الصبي والحر لا يضمن باليد وكذلك لو قتل الصبي نفسه في يد الغاصب فلا شئ على الغاصب كما لو قتل غيره وعلى قول أبى يوسف تجب ديته علي عاقلة الغاصب لأنه تلف بسبب يمكن حفظه من ذلك السبب عادة فهو كما لو نهشته حية وإذا حمل
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست