المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٥٣
شئ من ذلك يعلم أنه لا يعيش من مثله فهو عمد محض يجب به القصاص وإن كان خناقا معروفا قد خنق غير واحد فعليه القتل لأنه ساع في الأرض بالفساد والامام يقتل الساعي في الأرض بالفساد حدا لا قصاص وذكر في النوادر انه لو حبسه في البيت فطبق عليه الباب حتى مات لم يضمن شيئا عند أبي حنيفة ولكن يعزر على ما صنع وعندهما يضمن ديته لأنه مسبب لا تلافه على وجه متعد فيه فيكون بمنزلة حافر البئر في الطريق وأبو حنيفة يقول حبسه وتطبيق الباب عليه لا يوجب اتلافه وإنما يتلفه معنى آخر وهو الجوع الذي هاج من طبعه وبعد الطعام عنه ولا صنع للجاني في ذلك فلو ضمن إنما يضمن بجنايته عليه بتأخير حبسه والحر لا يضمن باليد ولو سقي رجلا سما أو أوجره ايجارا فقتله لم يكن عليه قصاص والدية على عاقلته وفي بعض النسخ قال سقاه سما أو أوجره ايجارا فقد صار متلفا له وهذا هو الأصح لأنه إذا دفعه إليه حتى شرب بنفسه لم يضمن شيئا لان الشارب مختار به في شربه فيكون قاتلا نفسه ومن أعطاه غره حين لم يخبره بما فيه من السم ولكن بالغرور لا يجب عليه ضمان النفس والأصل فيه أن اليهودية حين أتت بالشاة المسمومة هدية إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل من ذلك بشر بن البراء فمات ثم لم يضمنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته لان تناوله باختياره فاما إذا أوجره ايجارا فقد صار متلفا له فيكون ضامنا ديته وقيل هذا إذا كان سما قد يقتل وقد لا يقتل فيكون ذلك بمنزلة الخطأ فأما إذا كان سما ذعافا يعلم أنه يقتله لا محالة فإنه يجب عليه القصاص عند أبي يوسف ومحمد بمنزلة ما تقدم من الفعل الذي لا يلبث وإذا جرح الرجل الرجل عمدا بالسيف فاشهد المجروح على نفسه أن فلانا لم يجرحه ثم مات المجروح من ذلك فلا شئ علي فلان ولا تقبل البينة عليه بالجناية لان قبول البينة يبنى على دعوى صحيحة والوارث في الدعوى قائم مقام المورث فكما لا تصح الدعوى من المورث بعد اقراره انه لم يجرح فكذلك لا تصح من الوارث لأنه نفى أصل الجرح ومن ضرورته نفى القتل ولو لم يقر المجروح بذلك ولكنه عفى عن الجارح قبل موته ثم مات ففي القياس عفوه باطل لان القصاص في النفس إنما يجب بعد موته ويكون للوارث لا للمورث فالوارث هو الذي ينتفع به دون المورث فيكون المورث بعفوه مسقطا حق الغير ومسقطا للحق قبل الوجوب وذلك باطل والدليل عليه ان عفو الوارث قبل موت المورث عن القصاص صحيح ولو كان القصاص يجب للمورث لا يصح عفو الوارث كالابراء عن الدين وجه الاستحسان ان الوراثة خلافة وإنما يجب القصاص للوارث
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست