يجوز القاؤها في الأرض ويجوز بيعها لان المغلوب في حكم المستهلك فاما إذا كانت غير مخلوطة بالتراب فلا يجوز بيعها ولا استعمالها في الأرض لنجاسة عينها بمنزلة الخمر وكانت هذه الحرمة لاحترام بني آدم فبيع السرقين والقاؤه في الأرض جائز ولكن لاحترام بني آدم لا يجوز ذلك في الرجيع وهو كالشعر فان شعر الآدمي لا ينتفع به بعد ما بان عنه بخلاف شعر سائر الحيوانات وصوفها وعلى الرواية الأخرى عن أبي حنيفة إذا ألقاها في الأرض وخلطها بالأرض وصارت مستهلكة فيها يجوز استعمالها كذلك ولكن لا يجوز بيعها غير مخلوطة بالتراب وعن خالد الحذاء قال كنت عند مجاهد فذكر حديث رافع بن خديج رضي الله عنه في كراء الأرض فرفع طاوس يده فضرب صدره ثم قال قدم علينا معاذ رضي الله عنه اليمن وكان يعطى الأرض على الثلث والربع فنحن نعمل به إلى اليوم ومعنى ما قاله طاوس أن معاذا رضي الله عنه كان أعلمهم بالحلال والحرام ومان يخفى عليه النهى الذي رواه رافع بن خديج وقد كان يباشر المزارعة بالثلث والربع فنحن نتبرم في ذلك ونحمل النهى على ما حمله معاذ رضي الله عنه فقد كان دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمد الله تعالى لما وفقه لما يرضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن كليب بن وائل قال قلت لابن عمر رضي الله عنهما رجل له أرض وماء وليس له بذر ولا بقر أعطاني أرضه بالنصف فزرعتها ببذري وبقري ثم قاسمته فقال حسن وفيه منه دليل على أن العالم يفتى بما يعتقد فيه الجواز وإن كان لا يباشره فقد روينا أن ابن عمر رضي الله عنهما ترك المزارعة لأجل النهى ثم أفتى بحسنها وجوازها للسائل وعن جابر رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم مبشر فقال يا أم مبشر من غرس هذا النخل مسلم أو كافر قالت بل مسلم قال عليه الصلاة والسلام لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا سبع ولا طير الا كانت له صدقة يوم القيامة وفى رواية وما أكلت العافية منها فهي له صدقة يعني الطيور الخارجة عن أوكارها الطالبة لأرزاقها وفيه دليل أن المسلم مندوب إلى الاكتساب بطريق الزراعة والغراسة ولهذا قدم بعض مشايخنا رحمهم الله الزراعة على التجارة لأنها أعم نفعا وأكثر صدقة وقد باشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روينا أنه ازدرع بالجرف وفى الحديث رد على من يكره من المتعسفة الغرس والبناء وقالوا انه يركن به إلى الدنيا وينتقص بقدره من رغبته في الآخرة والآخرة خير لمن اتقى وهذا غلط ظنوه فإنه يتوصل بهذا الاكتساب إلى الثواب في الآخرة
(١٤)