ما لم ينفصل من عمران المصر وقد بينا أن مقامه في المصر لم يكن لا جل المضاربة وعلى هذا قيل لو كان يخرج للعمل إلى موضع قريب ويعود إلى أهله قبل الليل فإنه لا ينفق من مال المضاربة لأنه مقيم في أهله إذا كان خروجه إلى موضع لا يحتاج إلى أن يبيت في غير أهله ولو كان له أهل بالكوفة وأهل بالبصرة ووطنه فيهما جميعا فخرج بالمال من الكوفة ليتجر فيه بالصبرة فإنه ينفق من مال المضاربة في طريقه فإذا دخل البصرة كانت نفقته على نفسه ما دام بها فإذا خرج منها راجعا إلى الكوفة أنفق من مال المضاربة في سفره لان سفره في الذهاب والرجوع لا جل المضاربة أما في البلدتين فهو مقيم في أهله وإقامته في أهله ليس لأجل المضاربة ففي البلدتين ينفق من مال نفسه ولو كان أهل المضارب بالكوفة وأهل رب المال بالبصرة فخرج بالمال إلى البصرة مع رب المال ليتجر فيه فنفقته في طريقه وبالبصرة وفى رجوعه إلى الكوفة من مال المضاربة لان مقامه بالبصرة لأجل مال المضاربة إذ ليس له أهل بالبصرة لتكون البصرة وطن الإقامة له ويستوى ان نوى الإقامة بها خمسة عشر يوما أو أقل لان التاجر في المال العظيم قد يحتاج إلى هذا القدر من المقام في بلده لأجل التصرف في المال وبهذه النية تصير البصرة وطنا مستعارا له بخلاف ما لو كان له بها أهل أو تأهل بها لأنه حينئذ تصير البصرة وطن اقامته ولو دفع إليه المال مضاربة وهما بالكوفة وليست الكوفة بوطن للمضارب لم ينفق على نفسه من المال ما دام بالكوفة لان اقامته بالكوفة على أي وجه كان ليس لأجل المضاربة (ألا ترى) أنه قبل عقد المضاربة كان مقيما بها فلا يستوجب النفقة في مال المضاربة ما لم يخرج منها فان خرج منها إلى وطنه ثم عاد إليها في تجارته أنفق بالكوفة من مال المضاربة لأنه حين سافر بعد عقد المضاربة استوجب النفقة في مال المضاربة وصارت الكوفة في حقه كسائر البلدان لان وطنه بها كان مستعارا وقد انتقض بالسفر فرجوعه بعد ذلك إلى الكوفة وذهابه إلى مصر آخر سواء فان تزوج بها امرأة واتخذها وطنا زالت نفقته عن مال المضاربة لان مقامه بها بعد ما تزوج بها واتخذها دارا لأجل أهله لا لأجل مال المضاربة فهي بمنزلة وطنه الأصلي وإذا سافر المضارب بالمال فأعانه رب المال بغلمانه يعملون معه في المضاربة أو أعانه بدوابه لحمل المتاع الذي يشترى بالمضاربة عليها فان المضاربة لا تفسد بهذا كما لو أعانه بنفسه في بعض الاعمال ونفقة الغلمان والدواب على رب المال دون مال المضاربة لان نفقة غلمان رب المال وعلف دوابه كنفقة نفسه ورب المال لو سافر معه ليعينه على العمل في مال المضاربة لم يستوجب نفقة في مال
(٦٥)