المضاربة في طريقه وفى المصر الذي يأتيه لأجل العادة وهذا لان خروجه وسفره لأجل مال المضاربة والانسان لا يتحمل هذه المشقة ثم ينفق من مال نفسه لأجل ربح موهوم عسى يحصل وعسى لا يحصل بل إنما رضى بتحمل هذه المشقة باعتبار منفعة تحصل له وليس ذلك الا بالانفاق من ماله الذي في يده فيما يرجع إلى كفايته بخلاف الوكيل والمستبضع فإنه متبرع في عمله لغيره غير طامع في شئ من ماله لأجله وبخلاف الأجير لأنه عامل له ببدل مضمون في ذمة المستأجر وذلك يحصل له بيقين فاما هذا فغير متبرع ولا هو مستوجب بدلا مضمونا بل حقه في ربح عسى يحصل وعسى لا يحصل فلا بد من أن يحصل له بإزاء ما تحمل من المشقة شئ معلوم وذلك نفقته في المال وهو بمنزلة الشريك والشريك إذا سافر بمال الشركة فنفقته في ذلك المال وهو مروى عن محمد رحمه الله فالمضارب كذلك وهذا لأنه فرغ نفسه عن اشغاله لأجل مال المضاربة فهو كالمرأة إذا فرغت نفسها لزوجها بالمقام في بيته فاما في المصر فما فرغ نفسه لمال المضاربة فلا يستوجب نفقته فيه ونفقته طعامه وكسوته ودهنه وغسل ثيابه وركوبه في سفره إلى المصر الذي أتاه بالمعروف على قدر نفقة مثله لان هذا كله مما لا بد منه في السفر وفى النوادر عن أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان دهنه ليس من جملة النفقة وكأنهما أرادا به في الموضع الذي لا يحتاج فيه إلى استعمال الدهن عادة فتكون الحاجة إليه نادرة والثابت عرفا لا يثبت فيما هو نادر ومراد محمد رحمه الله إذا سافر إلى المواضع التي يحتاج فيها إلى استعمال الدهن عادة وذلك في ديار الحجاز والعراق ثم المستحق نفح نفقة المثل وهو المعروف كما في نفقة الزوجة فان أنفق أكثر من ذلك حسب له من ذلك نفقة مثله وكان ما بقي عليه في ماله فإذا رجع إلى مثله وقد بقي معه ثياب أو طعام أو غيره رده في مال المضاربة لان استحقاقه قد انتهى برجوعه إلى مصره فعليه رد ما بقي كالحاج عن الغير إذا بقي معه شئ من النفقة بعد رجوعه وكالمولى إذا بوأ أمته مع زوجها بيتا ثم شغلها بخدمته وقد بقي معها شئ من النفقة كان للزوج أن يسترد ذلك منها فاما الدواء والحجامة والكحل ونحو ذلك ففي ماله خاصة دون مال المضاربة وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله ان ذلك كله في مال المضاربة لان مال المضاربة مدة سفره في حاجته كمال نفسه فكما أنه يصرف مال نفسه في هذه الأشياء كما يصرف في النفقة فكذلك مال المضاربة * وجه ظاهر الرواية انه إنما يستوجب النفقة في مال المضاربة وثمن الدواء وأجرة الحجام وما يحتاج إليه من العلاج ليس من النفقة
(٦٣)