المبسوط - السرخسي - ج ١٥ - الصفحة ١٢٥
ترضع صبيين لهم كل شهر بكذا فمات أحدهما رفع عنهم نصف الاجر لان جميع الاجر بمقابلة ارضاع الصبيين فيتوزع عليهما نصفين لان التفاوت يقل في عمل الارضاع أو ينعدم وقد بطل العقد في حق الميت منهما فلهذا يرفع عنهم نصف الاجر ولو استأجروا ظئرين يرضعان صبيا واحدا فذلك جائز ويتوزع الاجر بينهما على لبنهما فإن كان لبنهما واحدا فالاجر بينهما نصفان وإن كان متفاوتا فبحسب ذلك وبهذا تبين أن المعقود عليه اللبن وأن البدل بمقابلته فان ماتت إحداهما بطل العقد في حقها لفوات المعقود عليه وللأخرى حصتها من الاجر ولا يجوز بيع لبن بني آدم على وجه من الوجوه عندنا ولا يضمن متلفه أيضا وقال الشافعي رحمه الله يجوز بيعه ويضمن متلفه لان هذا لبن طاهر أو مشروب طاهر كلبن الانعام ولأنه غذاء للعالم فيجوز بيعه كسائر الأغذية وبهذا يتبين أنه مال متقوم فان المالية والتقوم بكون العين منتفعا به شرعا وعرفا والدليل عليه أنه عين يجوز استحقاقه بعقد الإجارة فيجوز بيعه ويكون مالا متقوما كالصبغ في عمل الصباغة والحبر في الوراقة والحرض والصابون في غسيل الثياب بل أولى لأن العين للبيع أقبل منه للإجارة (وحجتنا) في ذلك أن لبن الآدمية ليس بمال متقوم فلا يجوز بيعه ولا يضمن متلفه كالبزاق والمخاط والعرق وبيان الوصف أن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به مما هو غيرنا فاما الادمي خلق مالكا للمال وبين كونه مالا وبين كونه مالكا للمال منافاة واليه أشار الله تعالى في قوله وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم لأجزاء الادمي من الحكم ما لعينه (ألا ترى) أن شعر الآدمي لا ينتفع به اكراما للآدمي بخلاف سائر الحيوانات وأن غائط الآدمي يدفن وما ينفصل من سائر الحيوانات ينتفع به واللبن جزء متولد من عين الآدمي (ألا ترى) أن الحرمة تثبت باعتباره وهي حرمة الرضاع كما تثبت حرمة المصاهرة بالماء الذي هو أصل الآدمي والمتولد من الأصل يكون بصفة الأصل فإذا لم يكن الآدمي مالا في الأصل فكذلك ما يتولد منه من اللبن بمنزلة الولد (ألا ترى) أن ولد الأضحية يثبت فيه الحكم تبعا وأن لبن الأضحية إذا حلبت يتصدق به ولهذا روى عن أبي يوسف رحمه الله قال يجوز بيع لبن الأمة دون لبن الحرة اعتبار اللبن بالولد ولكن هذا ليس بقوى لأن جواز بيع الولد بصفة الرق فاما الآدمي بدون هذا الوصف لا يكون محلا للبيع ولا رق في اللبن لان الرق فيما تحله الحياة فإنه عبارة عن الضعف ولا حياة في اللبن والدليل عليه أن الصحابة رضوان الله عليهم في المغرور لم يوجبوا قيمة اللبن فلو كان اللبن مالا
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست