المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٨٤
يعتبر ما هو المقصود والمقصود في الوجهين الاسقاط دون التمليك لان ما في الذمة ليس بمحل للتمليك ولكنه مجرد مطالبة يحتمل الاسقاط ولكن عند زفر رحمه الله ان رده المديون صح رده في الوجهين جميعا وكان ابن شجاع رحمه الله يقول لا يعمل رده لان الاسقاط يتم بالمسقط والمسقط يكون متلاشيا فلا يتصور فيه الرد وقاس ذلك بالطلاق والعتاق والعفو عن القصاص ولكنا نقول الدين مملوك للطالب في ذمة المديون فيكون قابلا للتمليك بملك العين ويجعل ذلك في الحكم كأنه ذلك الدين خصوصا في السلم والصرف فإذا ثبت انه قابل للتمليك والهبة عقد تمليك فإذا ذكر لفظ الهبة وجب اعتبار معنى التمليك فيه والتمليك لا يتم بالمملك قبل قبول الآخر لان أحدا لا يملك ادخال الشئ في ملك غيره قصدا من غير قبوله وهو محتمل للاسقاط أيضا لأنه في الحقيقة ليس إلا مجرد حق المطالبة وابراء اسقاط إذا ذكر لفظ الابراء وكان تصرفه اسقاطا والاسقاط تصرف من المسقط في خالص حقه فلهذا يتم بنفسه ولكنه يتضمن معنى التمليك من وجه لما بينا ان الدين مملوك في ذمته فإنما يسقط عنه إذا ملكه فلاعتبار هذا المعنى قلنا له أن يرده بخلاف الطلاق والعتاق فإنه اسقاط محض لا يتضمن معنى التمليك حتى أن الابراء لو كان اسقاطا محضا لم يرتدا بالرد أيضا و هو ابراء الكفيل فإنه اسقاط محض لان الدين يبقى على الأصل علي حاله فلا يرتد برد الكفيل والهبة من الكفيل تمليك منه حتى يرجع على المكفول عنه فلا يتم الا بقبوله فإن كان الموهوب له غائبا ولم يعلم بالهبة حتى مات جازت الهبة وبرئ مما عليه وهذا استحسان فأما في القياس لا يبرأ فأصله في الموصى له إذا مات بعد موت الموصى قبل قبوله في القياس تبطل الوصية لأنه قبل القبول لم يملك وإنما يخلفه وارثه في ملكه بعد موته. وفي الاستحسان جعل موته بمنزلة القبول فكذلك هنا في الاستحسان يجعل موت الموهوب له بمنزلة قبوله قال (وان وهبه له وهو معه قائم فسكتا حتى افترقا جازت الهبة) وهذا استحسان أيضا فان سكوته عن الرد دليل على رضاه بالهبة منه عرفا ودليل الرضا كصريح الرضا ألا ترى ان السكوت من البكر جعل إجازة لعقد الولي استحسانا فهذا مثله ومن مشايخنا رحمهم الله من بنى الجواب في هذا الفصل على الظاهر ويقول هبة الدين ممن عليه الدين بمنزلة الابراء يتم بنفسه من غير قبول وإن كان له حق الرد فيها فالموت قبل الرد يبطل حقه في الرد ويبقى تاما في نفسه وكذلك بالسكوت حتى افترقا ينعدم الرد فتبقى الهبة تامة ولكن الأول وهو الفرق بين الهبة والابراء من حيث المعنى أصح ويتضح ذلك
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست