المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٨٥
في الفرق بين ابراء الكفيل وبين هبة الدين منه. قال (رجل وهب لرجل هبة وقبضها الموهوب له ثم وهبها الموهوب له لآخر وسلمها إليه ثم رجع فيها أوردها عليه الآخر فللواهب الأول ان يرجع فيها) أما إذا رجع فيها بقضاء القاضي فلان القاضي يفسخ بقضائه العقد الثاني فيعود إلى الأول ملكه المستفاد بالهبة من الأول وقد كان حق الرجوع ثابتا له في ذلك الملك وما سقط بزواله تعذر استيفاؤه لانعدام محله فإذا عاد المحل كما كان عاد حقه في الرجوع وان رده عليه بغير قضاء القاضي فكذلك عندنا وقال زفر رحمه الله ليس للأول ان يرجع لان هذا ملك حادث له ثابت بتراضيهما فهو بمنزلة ما لو وهبه له ابتداء أو تصدق به عليه أو أوصى به له أو مات فورثه والدليل عليه انه لورده في مرضه بغير قضاء ومات من ذلك المرض اعتبر من ثلثه. والدليل على الفرق بين القضاء والرضا الرد بالعيب فإنه إذا كان بقضاء القاضي كان فسخا وإن كان بغير قضاء فهو كالبيع المبتدأ ولكنا نقول حق الواهب في الرجوع مقصور على العين وفى مثله القضاء وغير القضاء سواء كالأخذ بالشفعة وهذا لأنهما فعلا بدون القاضي عين ما يأمر به القاضي أن لو رفعا الامر اليه وإنما يكون التراضي موجبا ملكا مبتدأ إذا تراضيا على سبب موجب للملك منه كالهبة والصدقة والوصية وهنا تراضيا على دفع السبب الأول وذلك لا يصح موجبا ملكا مبتدأ بخلاف الرد بالعيب فحق المشترى ليس في عين الرد بل بالمطالبة في الجزء الثابت ولهذا لو تعذر الرد رجع بحصة العيب من الثمن وهنا حق الواهب في فسخ العقد مقصور على العين. قال (وإذا رجع في مرض الموهوب له ففيه روايتان كلاهما في الكتاب) في احدى الروايتين قال يعتبر من جميع ماله وذكر ابن سماعة فيه القياس والاستحسان في القياس يعتبر من جميع ماله وفى الاستحسان يعتبر من الثلث لا لأنه تمليك ابتداء ولكن الراد في مرضه باختياره يتم بالقصد إلى ابطال حق الورثة كما تعلق حقهم به فلرد قصده جعل معتبرا من ثلثه. قال (رجل وهب عبدا لرجلين فله أن يرجع في نصيب أحدهما وكذلك أن جعل نصيب أحدهما هبة ونصيب الآخر صدقة كان له أن يرجع في الهبة اعتبارا للجزء بالكل) وهذا في العبد غير مشكل فان الشيوع فيما لا يحتمل القسمة لا يمنع ابتداء الهبة فكذلك الرجوع. وفيما يحتمل القسمة كالدار ونحوها الجواب كذلك وهو دليلنا على زفر فان الرجوع بغير قضاء القاضي لو كان بمنزلة الهبة ابتداء لما صح في مشاع يحتمل القسمة وحيث صح عرفنا انه فسخ وأن العقد يبقى في النصف الآخر فيكون
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست