إلى القبول شرعا لما فيه من الإعانة على البر قال الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وقال صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وبعد القبول عليه أداء ما التزم وهو الحفظ حتى يؤديها إلى صاحبها لقوله تعالى (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وقد قيل في سبب النزول ان المراد رد مفتاح الكعبة على عثمان بن أبي طلحة لأنه حين أتاه به قال خذه بأمانة الله تعالى ولكن ظاهر الآية يتناول كل أمانة قال صلى الله عليه وسلم من ائتمن أمانة فليؤدها وقال صلى الله عليه وسلم أد الأمانة من ائتمنك ولا تخن من خانك وقال صلى الله عليه وسلم علامة المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان. على الموحد أن يحترز عما هو من علامة المنافق وذلك بأن يحفظ الوديعة على الوجه الذي يحفظ به مال نفسه فيضعها في بيته أو صندوقه لأنه وعد لصاحبها ذلك وخلف الوعد مذموم وإذا ترك الحفظ بعد غيبة صاحبها ففيه ترك الوفاء بما التزام والغرور في حق صاحبها وذلك حرام. فان وضعها في بيته أن صندوقه فهلكت لم يضمنه لحديث عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أودع وديعة فهلكت فلا ضمان عليه ولحديث ابن الزبير عن جابر رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المودع غير المغل ضمان. فالمراد بالمغل الخائن قال صلى الله عليه وسلم لا أغلال ولا اسلال في الاسلام والأغلال الخيانة والاسلال السرقة وقد قيل المغل المنتفع من قولهم أرض مغل أي كثير الريع والغلة فعلى هذا المراد المنتفع بغير إذن صاحبه. وقال عمر رضى الله تعالى عنه العارية كالوديعة لا يضمنها صاحبها الا بالتعدي. وقال على رضى الله تعالى عنه لا ضمان على راع ولا على مؤتمن. والمعنى فيه أن المودع متبرع في حفظها لصاحبها والتبرع لا يوجب ضمانا على المتبرع للمتبرع عليه فكان هلاكها في يده كهلاكها في يد صاحبها وهو معنى قول الفقهاء رحمهم الله تعالى يد المودع كيد المودع ويستوي ان هلك بما يمكن التحرز عنه أو بما لا يمكن لان الهلاك بما يمكن التحرز عنه بمعنى العيب في الحفظ ولكن صفة السلامة عن العيب إنما تصير مستحقا في المعاوضة دون التبرع والمودع متبرع * فان دفعها إلى بعض من في عياله من زوجته أو ولده أو والديه أو أجيره فلا ضمان عليه إذا هلكت استحسانا. وفي القياس هو ضامن لأنه استحفظ من استحفظ منه. ويؤيد وجه القياس قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم)
(١٠٩)