المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ٢٢١
قال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات الآية ثم شرط حل التناول منها فيما يحل منها بالذكاة قال الله تعالى الا ما ذكيتم وزعم بعض العراقيين من مشايخنا رحمهم الله أن الذبح والتذكية محظور بالعقل لما فيها من إيلام الحيوان وهذا عندي باطل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول من اللحم قبل مبعثه ولا يظن أنه كان يتناول ذبائح المشركين لأنهم كانوا يذبحون باسم الأصنام فعرفنا أنه كان يذبح ويصطاد بنفسه وما كان يفعل ما هو محظور عقلا كالظلم والكذب والسفه فإنه لا يجوز أن يظن به أنه فعل ذلك قط. ثم في الذبح والاصطياد تحصيل منفعة الغذاء لمن هو المقصود من الحيوانات وهو الآدمي فيكون ذلك سببا مباحا إليه وأشار الله تعالى في قوله هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا والايلام لهذا المقصود فلا يكون محظورا عقلا كالفصد والحجامة مندوب وشرب الأدوية الكريهة في وقتها.
والذكاة لغة التوقد والتلهب الذي يحدث في الحيوان بحدة لأدلة سميت الشمس ذكاء لشدة الحرارة وسمى الرجل الذي في خاطره حدة ذكيا فبهذا يتبين ان اشتراط الذكاة لتطييب اللحم به فإنه نوع نضج ولهذا كان المذكى أطيب لحما من الميتة وأبعد من النسيس والفساد . وقيل الذكاة عبارة عن تسييل الدم الفاسد النجس فان المحرم في الحيوان الدم المسفوح قال الله تعالى في جملة المحرمات أو دما مسفوحا فكانت الذكاة إزالة للخبث وتطييبا بتمييز الطاهر من النجس وهو نوعان الذبح في المذبح عند القدرة عليه قال صلى الله عليه وسلم الذكاة ما بين اللبة واللحيين وبالجرح في أي موضع أصابه عند تعذر الذبح في المذبح ثم يحصل بعض ذلك بالجرح والتكليف بحسب الوسع ففي كل موضع يكون الذبح في المذبح مقدورا له لا يثبت الحل الا به وفى كل موضع تعذر يقوم الجرح مقامه. ثم حل التناول بالاصطياد مختص بشرائط (أحدها) أن يكون ما يصطاد به معلما (والثاني) أن يكونا جارحا قال الله تعالى (ومما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) وفى معنى الجوارح قولان (أحدهما) أن يكون جارحا حقيقة بنابه ومخلبه (والثاني) الكواسب قال الله تعالى ويعلم ما جرحتم بالنهار أي كسبتم ويمكن حمله عليها فنقول الشرط أن يكون من الكواسب التي تخرج (والثالث) الارسال ثبت ذلك في السنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وان شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل. فلما حرم التناول عند عدم الارسال في أحد الكلبين دل أن الارسال في ذلك
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»
الفهرست