المبسوط - السرخسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٠
فأفتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى وهذا لان ثبوت الحرمة بسبب الكرامة وذلك يختص بلبن الآدمية دون لبن الانعام وشبهة الجزئية لا يثبت بين الآدمي والانعام بشرب لبنها فكذلك لا تثبت بين الآدميين بشرب لبن بهيمة وهذا قياس حرمة المصاهرة التي تثبت بالوطئ ولا تثبت بوطئ البهائم فكذلك هنا (قال) ولو صنع لبن امرأة في طعام فأكله الصبي فإن كانت النار قد مست اللبن وأنضجت الطعام حتى تغير فليس ذلك برضاع ولا يحرم لان النار غيرته فانعدم بها معنى التغذي باللبن وانبات اللحم وانشاز العظم وان كانت النار لم تمسه فإن كان الطعام هو الغالب لا تثبت به الحرمة أيضا لان المغلوب في حكم المستهلك ولان هذا أكل والموجب للحرمة شرب اللبن دون الأكل وإن كان اللبن هو الغالب فكذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تثبت به الحرمة وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تثبت به الحرمة لان الحكم للغالب والغالب هو اللبن ولم يغيره شئ عن حاله وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القاء الطعام في اللبن يغيره ألا ترى أنه يرق به وربما يتغير به لونه فكان بمنزلة ما لو غيرته النار وقيل هذا إذا كأن لا يتقاطر اللبن من الطعام عند حمل اللقمة وأما إذا كان يتقاطر منه اللبن تثبت به الحرمة عنده لان القطرة من اللبن إذا دخلت حلق الصبي كانت كافية لاثبات الحرمة والأصح أنه لا تثبت على كل حال عنده لان التغذي كان بالطعام دون اللبن (قال) وإذا جعل لبن امرأة في دواء فأوجر منه صبيا أو أسعط منه واللبن غالب فهذا رضاع لأنه إنما يجعل في الدواء ليصل بقوة الدواء إلى ما لا يصل إليه وحدة فكان هذا أبلغ في حصول معنى التغذي به فلهذا تثبت به الحرمة (قال) وان جعل اللبن في ماء فشربه الصبي فإن كان اللبن هو الغالب تثبت به الحرمة وإن كان الماء غالبا لا تثبت به الحرمة وكذلك أن خلط لبن الآدمية بلبن الانعام وعند الشافعي رحمه الله تعالى قدر ما يحصل به خمس رضعات من اللبن إذا جعل في جب من الماء فشربه الصبي تثبت به الحرمة فأما إذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى ثم أوجر منه صبيا فعلى قول محمد رحمه الله تعالى تثبت الحرمة منهما جميعا لان الشئ يكثر بجنسه ولا يصير مستهلكا به وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى تثبت به الحرمة بينه وبين من يكون لبنها غالبا لان المغلوب لا يظهر حكمه في مقابلة الغالب وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان في إحداهما اعتبر الأغلب كما هو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى الأخرى قال
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست